22 قانون راسخ في التسويق – 4 – قانون الإدراك

 

التسويق ليس معركة المنتجات، وإنما هو معركة الإدراكات

يظن العديد من الناس أن التسويق هو معركة المنتجات. ويعتقدون أنه على المدى الطويل، سيفوز المنتَج الأفضل.

الأشخاص الذين يعملون في التسويق مشغولون بإجراء الأبحاث و “الحصول على الحقائق”. وهم يحللون الوضع للتأكد من أنهم على صواب. ومن ثم يبحرون بثقة في مجال التسويق، مطمئنين لمعرفة أن لديهم أفضل منتَج وأن أفضل منتَج هو في النهاية من سيفوز.

ذلك وهم. ليس هنالك واقعٌ موضوعي، وليست هنالك حقائق. ليست هنالك منتجات أفضل. وكل ما يوجد في عالم التسويق هو الإدراكات في ذهن المستهلك أو الزبون المحتمل. الإدراك هو الواقع، وكل ما سوى ذلك وهم.

الحقيقة كلها نسبية، تعتمد على عقلك أو عقل إنسانٍ آخر. عندما تقول “أنا على حق والشخص الآخر على خطأ”، فكل ما تقوله هو أنك مدركٌ أكثر من الشخص الآخر.

ويعتقد معظم الناس أنهم مدركين للأشياء بشكلٍ أفضل من الآخرين. لديهم إحساس بالنجاح الشخصي المؤكد. إدراكاتهم دائماً أكثر دقة من إدراكات جيرانهم أو أصدقائهم. تختلط الحقيقة والإدراك في العقل، ليصبح لا فرق بين الإثنين.

ليس من السهل رؤية الأمر بهذه الطريقة. وللتأقلم مع الواقع المرعب بأنهم وحيدون في الكون، يعرض الناس أنفسهم على العالم الخارجي. هم “يعيشون” في منطقة الكتب، والأفلام، والتلفزيون، والصحف والمجلات. هم “ينتمون” إلى النوادي والمنظمات والمؤسسات. هذه العروض الخارجية للعالم تبدو أكثر واقعية من الواقع داخل أذهانهم.

يتمسك الناس بشدة بالاعتقاد أن الواقع هو العالم خارج العقل وأن الشخص هو مجرد نقطة صغيرة على سفينة الفضاء العالمية. في الحقيقة فإن الأمر بالعكس. الواقع الحقيقي الذي يمكن أن تتأكد منه هو في إدراكاتك. إذا كان الكون موجوداً، فإنه موجودٌ في عقلك وعقول الآخرين. هذا هو الواقع الذي يجب أن تتعامل برامج التسويق معه.

قد تكون هنالك محيطات، وأنهار ومدن وبلدات وأشجار ومنازل في العالم، ولكن ليست هنالك أي طريقة لنعرف هذه الأشياء سوى من خلال إدراكاتنا. والتسويق هو التلاعب بتلك الإدراكات.

تنبثق معظم أخطاء التسويق من فرضية أنك تحارب في معركة المنتَج المتجذرة في الواقع. وجميع قوانين هذا الكتاب مشتقة من وجهة نظرٍ معاكسةٍ تماماً.
ما يراه بعض العاملين في مجال التسويق على أنه القوانين الطبيعية للتسويق مبني على افتراض خاطئ وهو أن المنتَج هو البطل في برنامج التسويق والذي ستفوز به أو تخسر بناءً على مميزات المنتَج. ولذلك فإن الطريقة الطبيعية والمنطقية لتسويق منتَج خاطئة دون تغيير.

يمكنك تخطي مواهب التسويق الخاطئة بالأساس فقط من خلال دراسة كيفية تشكل الإدراكات في الذهن وتركيز برامج التسويق على تلك الإدراكات.
إن كل واحدٍ منا (مصنِع، موزِّع، تاجر، زبون محتمل، مستهلك) ينظر إلى العالم من خلال عينين. إذا كانت هنالك حقيقة موضوعية، فكيف لنا أن نعرف ذلك؟ من يقيسها؟ ومن سيخبرنا؟ يمكن ذلك فقط من خلال شخصٍ آخر ينظر إلى المشهد نفسه من خلال عينين مختلفتين.

الحقيقة ليست سوى إدراك خبير. ومن هو الخبير؟ إنه شخصٌ يدركه الآخرون في أذهانهم على أنه خبير.

إذا كانت الحقيقة مضللة لهذه الدرجة، فلماذا توجد الكثير من النقاشات في التسويق حول ما يُدعى بالحقائق؟ ولماذا تكون العديد من قرارات التسويق مبنية على مقارنات واقعية؟ لماذا يفترض الكثير من الذين يعملون في التسويق أن الحقيقة إلى جانبهم، وأن عملهم هو استخدام الحقيقة كسلاحٍ في تصحيح سوء الإدراكات التي توجد في ذهن الزبون المحتمل؟

يركز الأشخاص الذين يعملون في التسويق على الحقائق لأنهم يؤمنون بالواقع الموضوعي. ومن السهل أيضاً بالنسبة للذين يعملون في التسويق الافتراض أن الحقيقة إلى جانبهم. إذا كنت تعتقد أنك تحتاج إلى أفضل منتَج لتفوز في معركة التسويق، فمن السهل أن تعتقد أن لديك أفضل منتَج. كل ما تحتاجه هو تعديلٌ بسيط في إدراكاتك.

إن تغيير رأي الزبون المحتمل هو أمرٌ آخر. من الصعب جداً تغيير آراء المستهلكين أو الزبائن المحتملين. بوجود خبرة بسيطة في فئة المنتَج، يفترض المستهلك أنه على حق. غالباً ما يُفَسَّر الإدراك الموجود في الذهن على أنه حقيقة كونية. والناس نادراً ما يكونون على خطأ، إذا كانوا كذلك أصلاً. وذلك بالنسبة لهم على الأقل.

من الأسهل رؤية مفعول الإدراك على المنتَج عندما تكون هنالك بعض المسافة الفاصلة بين المنتَجات. على سبيل المثال، إن أكثر ثلاث سيارات يابانية مستوردة مبيعاً في أمريكا هي هوندا، وتويوتا ونيسان. ويظن معظم العاملين في التسويق أن المعركة بين العلامات التجارية الثلاث مبنية على الجودة، والتصميم، والقوة الحصانية، والسعر، وذلك ليس صحيحاً. إنه طريقة تفكير الناس بسيارات هوندا وتويوتا ونيسان هو ما يحدد أي علامةٍ تجارية ستفوز. فالتسويق هو معركة الإدراكات.

يبيع مصنعوا السيارات اليابانية السيارات نفسها في الولايات المتحدة كالتي يبيعونها في اليابان. إذا كان التسويق هو معركة المنتَجات، فقد تعتقد أن ترتيب المبيعات هو نفسه بالنسبة للدولتين. ففي النهاية هي بنفس الجودة ونفس التصميم ونفس القوة الحصانية ونفس الأسعار تقريباً بالنسبة لليابان كما في الولايات المتحدة. ولكن في اليابان، لا مكان لهوندا بالقرب من القمة، فهي تأتي في الترتيب الثالث بعد تويوتا ونيسان. وتبيع تويوتا أكثر من أربعة أضعاف السيارات في اليابان مما تبيع هوندا.

لذا ما الفرق بين هوندا في اليابان وهوندا في الولايات المتحدة؟ المنتَج هو نفسه، لكن الإدراكات في أذهان المستهلكين مختلفة.

إذا قلك لصديقك في نيويورك أنك قد اشتريت هوندا، فقد يسألك، “ما نوع السيارة التي اشتريت؟ سيفيك؟ أكورد؟ بريلود؟” أما إذا قلك لصديقٍ في طوكيو أنك اشتريت هوندا فقد يسألك “ما نوع الدراجة التي اشتريت؟” ففي اليابان، دخلت هوندا إلى ذهن المستهلكين على أنها مصنعة الدراجات النارية، ومن الواضح أن معظم الناس لا يرغبون بشراء سيارة من شركة دراجات نارية.

ماذا لو كان الوضع معاكساً؟ هل يمكن أن تنجح شركة Harley- Davidson إذا أطلقت سيارة Harley- Davidson؟ قد تعتقد أن ذلك يعتمد على السيارة، الجودة والتصميم والقوة الحصانية والسعر. وقد تعتقد أن سمعة Harley- Davidson في الجودة سيكون ميزة إضافية. نحن لا نعتقد ذلك، فإدراك هذه الشركة على أنها شركة دراجات نارية قد أضعف مكانة سيارة Harley- Davidson – مهما كان المنتَج جيداً.

لماذا تُعَد شوربة Campbell’s رقم واحد في الولايات المتحدة ولا مكان لها في المملكة المتحدة؟ لماذا تُعَد شوربة Heinz رقم واحد في المملكة المتحدة وقد فشلت في الولايات المتحدة؟ التسويق هو معركة الإدراكات، وليس المنتَجات. التسويق هو عملية التعامل مع تلك الإدراكات.

يعتقد بعض القائمين على المشروبات الخفيفة أن التسويق هو معركة الطعم. حسناً، إن New Coke هي رقم واحد بالنسبة للطعم. (قامت شركة كوكا كولا بإجراء 200,000 فحص تذوق “أثبتت” أن New Coke طعمها أفضل من بيبسي كولا، وبيبسي طعمها أفضل من تركيبتهم الأصلية، التي تسمى الآن كوكا كولا كلاسيك). ولكن من الذي يفوز الآن في معركة التسويق؟ المشروب الذي أثبتت الأبحاث أن مذاقه هو الأفضل، New Coke، في المرتبة الثالثة. والمشروب الذي أظهرت الأبحاث أن طعمه هو الأسوأ، كوكا كولا كلاسيك، هو في المرتبة الأولى.

أن تصدق ما تريد أن تصدقه. وتتذوق ما تريد تذوقه. تسويق المشروبات الخفيفة هي معركة إدراكات وليست معركة الطعم.

ما يجعل المعركة أصعب هو أن المستهلكين كثيراً ما يتخذون قرارات شراء بناءً على إدراكات من مصدر ثاني. بدلاً من استخدام إدراكاتهم، يتخذون قرارات الشراء بناءً على إدراك شخصٍ أخر للواقع. وهذا هو مبدأ “الجميع يعرف”.

الجميع يعرف أن اليابانيين يصنعون سيارات ذات جودة أعلى من تلك التي يصنعها الأمريكيون. لذلك فالناس يتخذون قرارات الشراء بناءً على حقيقة أن الجميع يعرف أن اليابانيين يصنعون سيارات ذات جودة أعلى. عندما تسأل المتسوقين فيما إذا كانت لديهم خبرة شخصية مع المنتَج، غالباً ما يقولون أنه ليست لديهم تلك الخبرة. وفي حالاتٍ أكثر، غالباً ما تكون خبراتهم الخاصة قد تم تحريفها لتتوافق مع إدراكاتهم.

إذا كنت قد مررت بتجربةٍ سيئةٍ مع سيارة يابانية، فقد عانيت من سوء الحظ فقط، لأن الجميع يعرف أن اليابانيين يصنعون سيارات عالية الجودة. والعكس بالعكس، إذا كنت قد مررت بتجربةٍ جيدة مع سيارةٍ أمريكية، فقد حالفك الحظ لا غير، لأن الجميع يعرف أن السيارات الأمريكية رديئة الصنع.

يعرف الجميع أن هنالك مشكلةً في سيارات الأودي. في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، عام 1986، CBS عرضت فقرة في برنامج”60 دقيقة” تدعى “خارج السيطرة”. لفتت الانتباه إلى عددٍ من الشكاوى التي وردت عن “تسارع غير مقصود” لسيارة أودي. هوت المبيعات الأمريكية للأودي لدرجة كبيرة، من 60 ألف في عام 1986 إلى 12 ألف في عام 1991. ولكن هل كانت لديك شخصياً مشاكل مع “التسارع غير المقصود” بينما كنت تجرب قيادة الأودي؟ من المستبعد أن يكون ذلك قد حدث. جميع خبراء السيارات الذين اختبروا السيارة قد فشلوا في تكرار الشكوى، ومع ذلك فإن الإدراك مستمر.

أطلقت شركة أودي مؤخراً إعلانات تقارن سياراتها بسيارات يمكن مقارنتها بها من صنع مرسيدس- بينز و BMW. وفقاً للإعلانات، صنف خبراء السيارات الألمان سيارات الأودي على أنها تسبق كلاً من مرسيدس و BMW.

هل تصدق ذلك؟ من المرجح أنك لا تصدق. هل هذا حقيقي؟ وهل هذا مهم؟
التسويق ليس معركة منتجات، بل هو معركة إدراكات.

Comments are closed.

%d