الإدارة بالتوريث طريقك لإفلاس شركتك

أسس وانج المهاجر الصيني إلي أمريكا في بداية الخمسينيات شركة وانج لصناعة الكمبيوتر والتي وصلت إيراداتها في سنة ١٩٨٤ إلي ٢٫٨ مليار دولار، وبلغ عدد العاملين بها ٢٤ ألفا.

وعندما تقاعد وانج في منتصف الثمانينيات، عين ابنه رئيسا للشركة، متخطيا عددا كبيرا من المديرين الأمريكيين الأكفاء، مما أثار استياء عاما بالشركة. فبدأت تعاني من الخسائر في أول عام تولى فيه ابنه المسئولية، وفي عام ١٩٩٢ طلبت الشركة إشهار إفلاسها، وقام الأب بفصل ابنه.

هذه القصة تكشف لنا عن طبيعة الثقافة الصينية واعتمادها على الروابط الأسرية، وكيف أنها أصبحت معوقا لنمو الشركة واستمرارها. ومن أسباب فشل الشركة أيضا النمط الإداري الأوتوقراطي ل “وانج” الأب وامتناعه عن تفويض أي جانب من سلطاته إلى مرؤوسيه.

لقد كان وانج نشيطا ومملوءا بالطاقة، فكان قادرا علي ممارسة الإدارة بهذه الطريقة، وتمكن من بث روح الفريق في شركته. ولكن هذا النموذج الإداري يصعب تكراره وتحويله إلي نظام تعتمد عليه الشركة مستقبلا، وكان سببا في سرعة تدهور الشركة بمجرد اعتزال الأب. تلك الممارسات الإدارية ما زالت متفشية في كل المجتمعات التي تتفوق فيها العلاقة الأسرية والمصالح الفردية الضيقة على رأس المال الاجتماعي.

المجتمعات التي تتسم بروابط عائلية قوية، وثقة ضعيفة خارج نطاق العائلة، تسود فيها المؤسسات الضعيفة صغيرة الحجم. والمجتمعات التي تكثر فيها الأنشطة التطوعية والمؤسسات الخيرية، تسود فيها مؤسسات قوية كبيرة الحجم. وتتشابه كل من أمريكا واليابان في وجود شركات عملاقة،

بالرغم من الفروق بين دور الدولة في كل منهما. في اليابان تقوم وزارة التجارة والصناعة بتوجيه السياسات الاقتصادية وتنشيطها حيث ينظر الياباني
نظرة احترام للدولة، في حين أن دور الدولة محدود في الولايات المتحدة. وفي كلا الدولتين تبرز الثقة كأساس للتعامل.

الثقة تعني الأمانة والتعاون والتقاليد المشتركة والالتزام المهني. وهي تظهر علي المستوى الصغير: الأسرة، والمستوى الكبير: الأمة. وفي حين أن المنفعة الذاتية، والتعاقد القانوني تصلح أسسا للترابط، فإن التنظيم الفعال يعتمد علي الأخلاق المشتركة. ومجتمعات الثقة العالية لا تحتاج إلي عقود ولوائح قانونية لتنظيم العلاقات بها، لأن الأخلاق تعطي أعضاءها أسسا للثقة المتبادلة، فيكون أداء الأعمال بها أقل تكلفة عنها في مجتمعات لا تتوافر بها الثقة، حيث يحتاج الجهاز التشريعي إلى إصدار قوانين كثيرة، وتؤدي كثرة القوانين إلى الالتزام الإجباري وبطء سير العمل وارتفاع التكاليف.

Comments are closed.

%d