جنون التوليب … الزهرة التي أبكت أوربا
عندما تسمع بإسم زهرة التوليب الجميلة يخطر ببالك فوراً هولندا ، ذاك البلد المشهور بالأزهار و الطواحين .. بينما توحي التوليب بالأناقة و البراءة ، كانت في يوما ما مصدر ذعر للآلاف .. فاسمها اصبح مرتبطاً بمصطلح الفقاعات الاقتصادية ، لأنها أحد أهم الفقاعات على مر التاريخ ، وقعت أحداث هذه الجائحة الاقتصادية في القرن السابع عشر، ما بين 1635 وعام 1637 حيث تزايد فيها الطلب على أبصال زهرة التوليب إلى حد فظيع.
بداية القصة
وصل التوليب إلى أوربا عن طريق الامبراطورية العثمانية في منتصف القرن 16 و بدأ الناس يتنافسون لامتلاك أكثر بصلات تلك النبتة ندرة ولشدة المنافسة أصبحت الأسعار جنونية .
بدأت القصة عندما استطاع تشارلز دي لوكلوس من تحسين نوعية خاصة من التوليب قادرة على تحمل صعوبة المناخ في المناطق المنخفضة ( هولندا تعني الأرض المنخفضة ) اعتماداً على أبصال أرسلها إليه من تركيا أوجير دي بوسبيق. سرعان ما تحولت الزهرة إلى موضوع تفاخر ورمز للرفعة لدرجة أن بعض أدميرالات البحرية الهولندية أطلقوا اسمائهم على بعض الأصناف منها .. و أكثرها روعة كان تلك الأبصال المصابة بفيروس خاص يضفي عليها ألوان تبدو كألسنة اللهب المشتعل .
التوليب في عيون الهولنديين
لو رغبت بشراء نوع محدد من أبصال التوليب في عام 1623، أو بالأحرى بصلة واحدة منها، فذلك سيكلفك نحو ألف فلورينة، ولتقدر ذلك يكفي أن تعرف أن متوسط الدخل السنوي للفرد آنذاك كان يعادل 150 فلورينة. ولشدة رواج التوليب والرغبة باقتنائه ، أصبح بالامكان مقايضته بالمواشي و الأراضي وحتى البيوت . وكانت يحقق المتداول الجيد أرباحاً تصل إلى 60 ألف فلورينة في الشهر الواحد.
سجلت في العام 1635 صفقة تم من خلالها تداول 40 بصلة توليب مقابل 100.000 فلورينة. وللمقارنة نذكر بأن طناً من الزبدة لا يكلف سوى 100 فلورينة، وسجل رقم قياسي ببيع بصلة توليب شهيرة باسم “سمبر أوغسطين” مقابل 6.000 فلورينة.
مع حلول عام 1636 دخلت الأبصال السوق المالي في كثير من بلدات هولندا ليتم تداولها هناك، مما شجع كافة فئات المجتمع على الدخول بأموالهم أو بممتلكاتهم للمضاربة عليها. وحقق بعض المضاربين أرباحاً ضخمة. وآخرون خسروا كل أو ما يزيد على ما كانوا يملكونه. لقد قام البعض ببيع أبصال التوليب التي زرعوها للتو، وباع آخرون أبصال التوليب التي ينوون زراعتها! فيما يشبه تداول العقود الآجلة، وقد وصفت هذه الظاهرة بأنها (قبض ريح) أو “تداول الهواء”.
انفجار الفقاعة
في شباط من عام 1637 لم يعد متداولو البصل يحصلون على عروض شراء أعلى مقابل البصل، وبدؤوا البيع. لقد انفجرت الفقاعة. وأخذ الشك يراود الناس بأن الطلب على بصل التوليب سيختفي، وهذا ولد ذعراً عارماً. أصحاب العقود الآجلة باتوا يحملون عقوداً لا يساوي سعرها الحالي عشر ما نصت عليه العقود، وكثيرون آخرون ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم يحملون أبصالاً لا تساوي قيمتها جزءاً صغيراً من السعر الذي دفعوه للحصول عليها. وحسب ما زعم، فإن آلاف الهولنديين، بمن فيهم رجال الأعمال وأصحاب المناصب، انهاروا مالياً.
بذلت محاولات لتصحيح الوضع بما فيه مصلحة كل الأطراف لكنها باءت بالفشل. بعض الأفراد تورطوا بالأبصال بعد أن حصل الانهيار، وما من محكمة ستجبر أحداً على تسديد قيمة العقود الآجلة، فالقضاة اعتبروها عقود مقامرة، لا تحظى بحماية القانون.
الفقاعة لم تقتصر على هولندا وحدها ، بل استمرت في بعض مناطق أوربا و حتى وصلت إلى انكلترا عام 1800 حيث كان من الشائع جداً أن يشتري الفرد بصلة توليب واحدة بمبلغ يكفي عاملاً وعائلته حاجتهم من الطعام والشراب والملبس طوال 6 أشهر.
اصدر صحافي بريطاني كتاب سماه ” جنون القطيع و أوهام العام” بعد مرور قرنين على الحادثة ، تناول الفقاعة بالنقد والتحليل لكنه تجاهل بعض الأمور كالطاعون الذي أصاب أوربا و حرب الثلاثين عام مما جعل الباحثين المعاصرين يعطون أهمية قليلة لهذه الحادثة.
قصة ذات عبر ،لكن المحير كيف تنفجر الفقاعة ، مجرد هلع او خوف او اشاعة كاذبة ستفجر الفقاعة الى اشلاء و معها اموال المستثمرين فيها ،