من عتبة الصف إلى خشبة المسرح .. تجربتي في الحديث بمؤتمر تيدكس TEDx

 

الحديث أمام الجمهور ليس جديداً عليّ، إذ بدأ منذ الصف الرابع عندما كانت الآنسة ناهد تطلب مني أن أقف لأقرأ دروس القراءة أمام زملائي. إلا أنه لم يخطر ببالي يوماً، أن ذلك الوقوف سيوصلني للحديث يوماً في مؤتمر تيدكس في خطاب قد يراه الملايين.

انعقد مؤتمر تيدكس للمرة الأولى في مدينة حلب في سبتمبر 2020، وكنت أحد سبعة متحدثين فيه تناولت مفهوم العمل عن بعد بمختلف أنواعه كمحور لحديثي الذي امتد على ربع ساعة وهي المدة المحددة.

تصفيات .. تصفيات .. تصفيات

بدأت التجربة منذ اللحظة الأولى للإعلان عن بدء تلقي الطلبات، حيث لم يثر الموضوع اهتمامي للمشاركة فيه، فقد ظننت أنه موجّه للمشاهير أو ربما رجال الأعمال و شخصيات معينة كالأدباء والفنانين، لكن قبل انتهاء موعد تلقي الطلبات بيوم واحد، قررت المشاركة وكنت واحداً من أكثر من 80 شخصياً يرون أن أفكارهم تستحق الانتشار.

بعد أيام وصلتني رسالة بريدية تفيد بأنه تم قبولي للمرحلة الأولى من التصفيات. وهنا ارتسمت ملامح الاستغراب على وجهي، مرحلة أولى؟ وتصفيات؟ يعني أن هناك مشوار من المنافسة قبل الوصول لخشبة المسرح؟ لو أني أعرف أن الأمر كذلك لما سجلت منذ البداية!.

طلبت اللجنة المنظمة منا في المرحلة الأولى تسجيل مقطع فيديو مدته 5 دقائق نتحدث فيه عن الموضوع بإيجاز، وهنا تكمن الصعوبة، مقطع فيديو لي وانا اتحدث؟ ولخمس دقائق؟ حاولت وسجلت عدة مرات ولم أتجاوز الدقيقتين، أرسلته وبتوقعي أني سيتم إقصائي لعدم وضوح الفكرة من الفيديو.

إن قرأت هذا، أنا أبحث عنك، أرسل لي mohammad.habash@arageek.com

تضمنت المرحلة الثانية عرض الفيديوهات على لجنة اختيار المتحدثين لإعداد القائمة المختصرة لتجارب الأداء، وهنا يصلني اتصال هاتفي أنه يجب أن أحضر لألقي الموضوع أمام اللجنة.

توجهت للموعد بدون أن أحضّر أية فكرة، فقط تحدثت بعفوية وعلى سجيتي كما تهطل الأفكار من رأسي أعبّر عنها، ولعلّ إجابتي عن سؤال “لماذا يجب أن تكون من بين المتحدثين المختارين” هي ما أوصلني للنهاية وليس أدائي أو الأفكار التي طرحتها.

المرحلة الثانية كانت تقييم تجارب الأداء واختيار اللائحة النهائية التي ضمّت سبعة متحدثين، كنت أحدهم.

تدريب .. تدريب .. تدريب وصقل

عادة يتحدث الناس في خطب مؤتمرات تيدكس للإلهام وإحداث تغيير ما في الناس، أو للحديث عن فكرة جديدة، أي يأخذ الخطاب إما طابع ملهم مؤثر، أو معرفي، لكن خطابي كان يجب أن يتضمن كليهما، لأني أودّ تعريف الناس باسلوب عمل جديد، وأريدهم أن يبدأو فيه وليس فقط يعرفوه، كل هذا خلال 15 دقيقة أو أقل، وهذا لم يكن بسيطاً.

في الدورات التدريبية عادة أتحدث لمدة ثلاث ساعات ويكون هناك عرض تقديمي لترتيب الأفكار، لكن هنا المدة قصيرة جداً فهذا يفرض التعامل معها بطريقة مختلفة عن التدريبات، كما أن الجمهور الذي يحضر في المسرح وهم 100 شخص – العدد المسموح حسب الرخصة – أو عبر الشاشة لاحقاً قد لا يملكون الدراية والاهتمام الكافي مثل حضور التدريبات.

بدأت بإعداد المحتوى الخاص بالخطاب بناءً على أسس علمية مدروسة مستفيداً من خبرتي الطويلة في التحرير. حضرت عدد كبير جداً من الخطب السابقة وبمختلف اللغات وبدأت بوضع قائمة بعناصر نجاحها وآلية عرضها بدءاً من لحظة وضع قدمك اليمنى على الدرجة الأولى من الخشبة، انتهاءاً برفع قدمك اليسرى عن الدرجة الأخيرة.

من ملاحظاتي توصلت إلى توليفة خطاب تيدكس الناجح والتي يجب أن تتضمن:

1- افتتاحية مميزة
2- قصة شخصية
3- توزيع صحيح للمشاعر
4- الإجابة عن أسئلة الجمهور الضمنية (لماذا يجب أن أسمعك؟ ..إلخ)
5- فكرة رئيسية واضحة جداً في ذهنك

بدأت بصياغة الخطاب مع مراعاة أنه يجب أن يحتوي على هذه التوليفة. فاستخدمت افتتاحية من قصة شخصية حصلت معي مع كلمة مميزة، ومن ثم تحدثت عن كيفية دخولي عالم الكتابة، وراعيت استخدام المشاعر (دهشة – فضول – حماس – مرح – ترقب – خوف – الإحساس بالذات وغيرها) ووضعتها بأماكنها المناسبة في النص. فعندما اتحدث عن شيء جديد أصيغه بطريقة تدفع الفضول لاستكشاف المزيد، وحسّ الدعابة يكون حاضراً، لكن لا ننسى الترقب والقلق.

يجب أن تكون الفكرة الرئيسية التي تريد إيصالها للجمهور واضحة جداً في بالك وتذكرها في نص الخطاب مرتين على الأقل، مرة بالمنتصف، ومرة في النهاية لأنها الرسالة التي سيحتفظ بها الجمهور، فلن يتذكروا شيء من خطابك سوى فكرته الرئيسة وقصة شخصية.

أجريت عدة تعديلات على صياغة الخطاب حتى وصلت للصياغة النهائية. نعم ليس خطاباً مرتجلاً، كما أنه ليس بصماً، هناك أفكار موضوعة بتسلسل مدروس يجب التطرق إليها بهذا الترتيب.

في النهاية كان الشكل العام للخطاب كالتالي:

1- افتتاحية مميزة
2- استعراض الواقع الحالي لنماذج العمل (قطاع عام – قطاع خاص) – إثارة المشكلة – ترك الإجابة معلقة
3- قصة شخصية قصيرة مرتبطة بالخطاب
4- مقدمة للمضمون
5- التعريف بأنواع العمل عبر الإنترنت الأربعة
6- كيف أن ما أتحدث عنه يحل مشكلة (لماذا يجب أن تسمعني؟)
7- محتوى تعليمي
8- خاتمة ملهمة ومؤثرة ودعوة لإتخاذ إجراء Call to Action

تدربت على إلقاء الخطاب في غرفة نومي عشرات المرات وكان جمهوري مؤلف من كائن وحيد هو عصفوري أوسكار، من كثرة التدريبات استيقظت مرة في منتصف الليل لإضافة فكرة.

بداية التدريبات كانت بكتابة مخطط أولي للأفكار التي أود الحديث عنها، ومن ثم شرح مختصر لكل فكرة، وبعدها الشرح بالصوت والحركة وقمت بتسجيل الصوت ومن ثم صرت أسجل بالفيديو وكل تلك المراحل كانت مع مراعاة الوقت حيث يجب أن لا يتجاوز تواجدك على المسرح 15 دقيقة.

كما عقدنا عدة تدريبات بانفراد وجماعياً على الخطاب حتى ينجز ضمن الوقت المحدد، كما تدربنا مرة على المسرح الحقيقي حيث يعقد المؤتمر في فندق شهباء حلب.

نصائح

يقال أن تجربة الوقوف على مسرح تيدكس تتاح للشخص مرة واحدة فقط في حياته، فماذا ستقول؟ في الحقيقة كل كلمة يجب أن تذكرها في خطابك يجب أن تكون مدروسة ومفيدة ولها دور. لكنك عندما تقف على المسرح قد تجري بعض التعديلات، فتنسى فكرة ما وتعدل غيرها، لذا سأذكر هنا بعض النصائح التي قد تفيدك في الخطابة أو العرض والإلقاء أو حتى مشاركتك في مؤتمر تيدكس الذي يقام في مدينتك.

1- تدرب .. تدرب .. تدرب: الخطاب النهائي هو حصيلة تعديلات كثيرة لم تكن لتحصل لولا كثرة التدريب. فكما أسلفت الخطاب ليس مرتجلاً، وبنفس الوقت لست روبوت تردد نص تحفظه غيباً. يجب أن تكتب نص الخطاب كلمة كلمة، لكنك أثناء الإلقاء لن تقوله بنفس الطريقة. يجب أن تتدرب كثيراً. الخطاب الذي مدته 15 دقيقة تدربت لأجله ما يفوق 10 ساعات.

2- تعلم .. تعلم .. تعلم: أن تتحدث بناءً على معرفة ودراية، خيراً من أن تتحدث على السجية. أي يجب أن تتعلم عن كيفية الوقوف أمام الجمهور، حركة الجسد، طريقة الحديث، التعامل مع الطوارئ من تعطل المايكروفون أو الإضاءة، وحتى صياغة الخطاب وما يجب أن يتضمنه وكيف تثير المشاعر المختلفة في الجمهور.

3- كن واثقاً من نفسك: الجمهور الذي ترك مشاغله وحضر ليسمعك، يؤكد أن لديك شيء يستحق أن تقوله ويعطونه الاهتمام، فكن واثقاً من نفسك ولا يتسرب الخوف والارتجاف إلى صوتك، اهدئ وتحدث كأنك تحادث صديقك، لا تنظر بعيداً، انظر في أعين الجمهور، حتى لو كان هناك حضور رسمي في الصف الأول، لن يقطعوا رأسك، فكن واثقاً ولست مغروراً.

4- انتبه لحركتك على المسرح: هذا شيء يجب أن تسجله بالفيديو وتشاهده عدة مرات حتى تلاحظ ما تفعله، البعض يكون لديهم توتر وحماس عالي فتكون حركتهم سريعة على المسرح ما يربك المشاهد. وفق قوانين تيد يجب على المتحدث أن يبقى ضمن الدائرة الحمراء بمساحة 120 سم وكنت فيها دائماً. يمكنك التحرك ضمنها بحرية لكن لا توتر الناس معك فتتحرك كثيراً نحو اليمين واليسار أو الأمام والخلف. لا تضع يديك في جيبك ولا تحرك يديك بسرعة وقوة، فلتكن حركتها طبيعية وتخدم الفكرة التي تقولها، لاحظ كيف أرفع اصبعي عندما أحذر من شيء، وكيف استخدم يدي في التعدادات.

5- كرر ظهورك أمام جمهور: أفضل شيء لتعلم الخطابة ومهارات العرض والإلقاء هو التكرار، أي انتهز أية فرصة تتاح لك لتقف أمام الناس وتتحدث، هذا الشيء يكسر الخوف بداخلك ويجعلك على عفويتك ولا تهاب الجمهور مهما كان عدده. في عام 2014 تحدثت أمام جمهور من أكثر من 500 شخص في مدرج جامعي وكان هناك حضور رسمي وصاحبه مشاكل تقنية كثيرة، لكن لم يصبني أي إرباك، نظراَ لتكرار التجارب التي تحدثت فيها أمام الجمهور.

 

 

Comments are closed.

%d