الدولرة الجزئية هل هي الدواء الناجع لأزمة الغلاء ؟

 

أحيانا كثيرة نصنع قيودنا بأيدينا ونحيط أنفسنا بحواجز نصبناها بحيث لا يمكننا رؤية أي شيء إلا من خلالها . لذلك هذه المقالة هي محاولة للتحليق فوق الحواجز لرؤية الواقع كما هو.

إن الجميع متفق أن الاقتصاد السورية يعاني حاليا من مشكلة تتعلق بدور العملة المحلية في الحفاظ على القيمة ونشأ عن ذلك آفتان تفتكان بالاقتصاد السوري العليل , الآفة الأولى وجود فوائض كبيرة من الإيداعات في البنوك المحلية بالعملات الصعبة وازدياد نسبتها بحيث بدأت عوارض التخمة تبدو على هذه البنوك لأن الكثير منها بدأ يرفض الإيداعات الجديدة بالدولار . وهذا الفائض أصبح عبئا حقيقيا وهذه ليست مناورة أو حيلة من البنوك فعادة القط لا يهرب من عشاء ولو كان هناك ربح لما زهدوا فيه .

أما الآفة الثانية والتي سنركز عليها اليوم فهي تتعلق بمفهوم غاب عن أذهان الكثير من الناس في اقتصادنا وهو مفهوم التحوط hedging وآثاره في التقليل من عامل المخاطرة وبالتالي تخفيض الهامش المخصص لتغطية المخاطر .

ولشرح الفكرة لنفترض أن شخصا يستورد مادة ما وهو يعرف كلفه كلها ويبقى أمامه مخاطر تثير سعر السلعة الاساسية في حل كون العملة مستقرة ولكن حين تكون العملة غير مستقرة فإنه يتعرض لعامل مخاطرة جديدة . فهو يتساءل كيف سيكون اتجاه سعر الصرف في الأيام والأسابيع القادمة ولتغطية هذه المخاطرة يقوم برفع هامش الربح ليتم تغطية أي تحرك مفاجئ في سعر العملة .

وهنا لا بد أن نشير أنه في الاقتصاديات العالمية وبالرغم من أن عملاتها مستقرة فإن الشركات تلجأ إلى ما يعرف بالتحوط لحماية نفسها من مخاطر غير محسوبة . وهنا نضرب مثالين أولهما عن التحوط مقابل تغير سعر العملة والآخر عن التحوط مقابل تغيرات سعر السلعة .

ففي المثال الأول : تنتج شركة إيرباص Airbus طائراتها في بلدان أوروبية ولكنها تبيع طائراتها بالدولار . فلذلك فإن أي تحرك للدولار هبوطا يقلل الربح لأنها تدفع لعمالها باليورو فتقوم هذه الشركة بنقل المجازفة في تذبذب العملات إلى طرف آخر بتثبيت سعر الصرف لليورو معه وهذا الطرف يقبل المجازفة مقابل عوض شبيه بشركات التأمين .

أما المثال الثاني عن السلع فنضرب مثالا شركات الطيران فهي تعرف كلف تشغيلها من رواتب وغيرها ولكن يبقى عامل مجهولا وهو السعر العالمي للبترول والذي يخضع لعوامل عديدة . لذلك تلجأ شركات الطيران لنقل مخاطر تذبذب سعر البترول إلى طرف آخر عن طريق التحوط في أسواق النفط وسنبحث ذلك بالتفصيل في مقالة في مجلة الاقتصادي .

أما في سورية فقبل الأزمة الحالية لم يكن هناك ضرورة للتحوط لسبب بسيط أن سعر الصرف كان مستقرا وشبه ثابتا أي أن المركزي قام بدور الآخذ بمخاطر التحوط . ولما بدأ سعر الصرف بالتغير أقدم البنك المركزي على تقديم خدمات تحوط مجانية عندما وضع سعر رسمي يتم بموجبه تمويل المستوردات . ولنكن موضوعيين هذا لم يمنع ان الأسعار كانت مرتفعة بسبب تقصير واضح من الجهات الأخرى ونخص بالذكر وزارة الاقتصاد التي اعتبرت أن الاحتكار هواية لا يحاسب عليها القانون !

ما هي الحلول المطروحة الآن

باعتبار أن البنك المركزي لم يعد يقوم بدوره السابق في تقديم تسهيلات التحوط عن طريق تحديد سعر الدولار لتمويل المستوردات . ولإزالة الذريعة بضرورة أن يكون هامش الربح كبيرا بسبب مخاطر الصرف (والتي قد تكون محقة )يجب أن يتم دولرة جزئية للاقتصاد السوري

ماذا يعني ذلك ؟ يعني التعامل فيما بين المورد وتاجر الجملة بالدولار وبالتالي ينتفي عامل المخاطرة بتغير سعر الصرف وهذا يشمل أيضا القطاع العام الذي يؤمن حاجياته من الموردين (مثال الرز والسكر ) وكذلك يجب أن يتم التعامل ما بين تجار الجملة ونصف الجملة أيضا بالدولار .. وبالتالي نكون أزلنا مخاطر ذبذبة سعر الصرف من دورتين مهمتين من الاقتصاد وتبقى الحالة الأخيرة وهي تاجر المفرق وهنا يبقى عامل المخاطرة ولكن ضمن إطار زمني قصير .وبهذه الطريقة يتم التقليل من عوامل المخاطرة في ذبذبة سعر الصرف إلى أكثر من 66 % .

لاريب أن البعض قد يجفل من هكذا طرح ويعتبرها غير وطنية . والإجابة تكون لنكن عمليين أيهما أرحم للمواطن دولرة جزئية وخفض الأسعار ام التعامل الكلي بالليرة السورية وتحليق الأسعار الى ارتفاعات شاهقة ؟ هذا السؤال برسم الإجابة عليه من كل مخلص يهمه شأن هذا البلد .

نسرين ميقري – 2012

Comments are closed.

%d