شركات بلا جذور

 

لو كنت مثل شجرة البامبو.. لا انتماء لها.. نقتطع جزءاً من ساقها.. نغرسه، بلا جذور، في أي أرض.. لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماضٍ.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى.”

سعود السعنوسي – ساق البامبو

عام 1909 قال إدوارد هول نائب رئيس شركة التلغراف والهاتف الأمريكية أن الجمهور لا يعرفه، لم يشاهده ولم يلتق به قط ولا يعرف المكان الذي يعيش فيه. كان هذا الكلام رداً على شكاوى الناس أنهم يرون تلك الشركات بلا روح.

لا يختلف هذا الشعور كثيراً عن اليوم بعد أكثر من قرن. الشركات بلا جذور وعديمة الجنسية، لا أحد يعرف المكان الذي تعيش فيه شركات مثل فيسبوك أو جوجل أو فايزر. ويبدو أن الجواب “أينما يصادف أن يكون مفيدا للمساهمين”. بالنسبة لشركات التكنولوجيا الأمريكية هذا يعني وضع فروعها الأوروبية في إيرلندا ذات الضرائب المنخفضة. وبالنسبة لشركة فايزر هذا يعني الاندماج مع شركة أليرجان حتى تسجل نفسها في إيرلندا.

لن تقوم فايزر بأية تغييرات. لن تنقل مكتبها الرئيسي أو سوق الأسهم الذي يتداول فيه أسهمها، وحتى معظم موظفيها سيبقون في نيويورك ولن يطيروا إلى دبلن. كل ما سيحدث ببساطة تغيير مكان تسجيلها للإستفادة من معدل الضريبة على الشركات المنخفض في إيرلندا والبالغ 12.5% فقط. شركات التكنولوجيا لا تزال شركات أمريكية، لكن أقسامها الأوروبية تتخذ من دبلن مقرا لها، لتجنب معدلات الضرائب الأعلى في البلدان الأخرى.

نعم انه تهرب ضريبي لكن مشروع !. القانون الأمريكي يفرض ضريبة عالية على الشركات، لكن مع ذلك يسمح بمنفذ للتهرب وهو وضع أرباحها في الخارج. هذا حافز قوي ليس فقط لإعادة تسجيلها من خلال عمليات الاندماج التي تهدف إلى “الانقلاب الضريبي”، ولكن لتخزين 2.1 تريليون دولار، الكومة النقدية الموجودة لدى أكبر 300 شركة أمريكية، في ملاذات ضريبية مثل برمودا.

لك يتناسب أيضا مع موقف الشركات الأمريكية عديمة الجنسية في بلدها نفسه – نحو نصف الشركات المدرجة تسجل نفسها في ولاية ديلاوير الصغيرة، في حين أن معظم مكاتبها الرئيسة تبقى في ولايات أخرى. وهي تفعل ذلك بسبب محاكم ولاية ديلاوير، التي تسمح للتنفيذيين بكثير من الفسحة لممارسة حكمهم.

ترى أوروبا أن للشركة هوية و جنسية حيث يوجد مكتبها الرئيسي، لكن الأمر مختلف للشركات الأمريكية. شركة الاتصالات AT & T وغيرها واجهت في بداية القرن العشرين مشكلة أنها شركة بلا جذور تبدو وكأنها شركة بلا روح – وهي مؤسسة لا يوجد لديها ولاء لأي مكان معين.

الشركات التي يبدو أنها غير موثوقة، أو بلا ضمير وغير شخصية، التي تنتقي الدول الأكثر ملاءمة، من المرجح أن تثير رد الفعل نفسه الذي كان للصناديق الائتمانية في أوائل القرن العشرين.

سلسلة الصيدليات الأمريكية وولجرين فكرت بالإنتقال إلى سويسرا ضمن استحواذها على ألاينس بوتس في عام 2014 لكنها تراجع عن الفكرة. هذا التراجع مبرر لأن الشركة تفاخر بأنها “الصيدلية الأولى في أمريكا”، وتسرد قصة متكلفة لكيفية أن “كل شيء بدأ في مدينة تسمى ديكسون، في إلينوي” في حين تقيم لأغراض ضريبية في إحدى مناطق سويسرا.

هناك فرق كبير بين شركة بلا جنسية وشركة متعددة الجنسيات (على الرغم من أن بعض الشركات تمثل الاثنتين في آن معا). واحدة تستخدم الخيال القانوني الملائم لتتنقل بنفسها في جميع أنحاء العالم دون أن تنتقل فعليا، والأخرى تقوم بعمل صعب للتوسع خارج الحدود الوطنية، وتحويل نفسها.

كثير من الشركات متعددة الجنسيات توظف غير المواطنين أكثر مما توظف من المواطنين – أكثر من 169 ألف موظف من أصل 305 آلاف موظف في شركة جنرال إلكتريك، مثلا، هم غير أمريكيين – ولا يوجد سوى 13 في المائة من الشركات المدرجة في قائمة مجلة “فورتشن” لأكبر 500 شركة عالمية، لديها رئيس تنفيذي من غير البلد الأم.

من الصعب التوصل إلى ثقافة عالمية، مثلما حاول عدد قليل من الشركات، مثل أرسيلور ميتال، مجموعة الصلب التي يوجد مقرها في لوكسمبورج، ونوكيا، مجموعة معدات الاتصالات. تشكلت نوكيا من شركتين، إحداهما فنلندية والأخرى ألمانية (نوكيا وسيمنز نيتويركس) وتعكف الآن على امتصاص شركة فرنسية أمريكية (ألكاتيل – لوسنت). راجيف سوري، الرئيس التنفيذي للشركة، هندي الجنسية.

Comments are closed.

%d