الشركة الناشئة = النمو

الشركة الناشئة هي شركة صممت لتنمو بسرعة. وكون الشركة تأسست حديثًا لا يجعلها شركة ناشئة. كما أنه من غير الضروري على الشركة الناشئة أن تعمل في قطّاع التقنية أو أن تقبل تمويلًا مخاطرًا أو أن يكون لها أي نوع من “خطط الخروج”. الشيء الوحيد الأساسي هو النمو. وكل شيء آخر يتم ربطه بالشركات الناشئة فهو يتبع النمو.

إذا أردت إطلاق شركة ناشئة فمن الضروري أن تعي بأن في الشركات الناشئة من الصعوبة ما لا يمكنك الوقوف جانبًا مكتوف الأيدي وتأمل بأن تنجح. عليك أن تعرف أن ما يجب أن تسعى إليه هو النمو. والخبر السار هنا، أنك إذا حققت النمو، فإن كل شيء آخر سيتحقق في مكانه. ما يعني أنه يمكنك استخدام النمو كبوصلة لاتخاذ أي قرار سوف تواجهه.

الشجرة الباسقة

لنبدأ مع العلامة الفارقة التي يجب أن تكون واضحة لكن على الأغلب نغض البصر عنها: ليست كل شركة تأسست حديثًا هي شركة ناشئة. تنطلق سنويًا ملايين الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن جزءً ضئيلًا منها يُعدّ شركات ناشئة. ومعظمها يعمل ضمن قطاع الخدمات كالمطاعم، محلات الحلاقة، السبّاكين وهلم جرًّا. وهذه ليست شركات ناشئة، ما عدا بضعة حالات غير اعتيادية. محل الحلاقة ليس مُصممًا لينمو بسرعة، في حين أن محرك البحث على سبيل المثال مصمم لذلك.

وعندما أقول الشركات الناشئة مصممة لتنمو بسرعة، فأنا أعني ذلك من ناحيتين. أعني جزئيًا أن تكون مصممة لهذا الغرض عن قصد، بسبب أن معظم الشركات الناشئة تفشل. لكن أعني أيضًا أن الشركات الناشئة مختلفة بطبيعتها، بنفس الطريقة التي تكون وجهة نمو الشجيرة مختلفة عن نمو الحبة.

وذلك الاختلاف هو سبب وجود كلمة مميزة. “الشركة الناشئة” تطلق على الشركات المصممة لتنمو بسرعة. فإذا كانت جميع الشركات متشابهة في الأساس، لكن بعضها نتيجة الحظ أو جهود المؤسسين فانتهى بها الحال بأن تنمو بسرعة بالغة، فلن نحتاج لكلمة أخرى منفصلة. يمكننا أن نتحدث عن الشركات فائقة النجاح والشركات الأقل نجاحًا. لكن في الواقع الشركات الناشئة لديها نوع مختلف من الحمض النووي مقارنة بباقي الشركات. شركة غوغل ليست مجرد محل حلاقة كان مؤسسوه محظوظين على غير العادة ومجدّين بالعمل. غوغل كانت مختلفة منذ البداية.

ومن أجل النمو بسرعة، فإنك بحاجة لصنع شيء يمكنك بيعه لسوق كبير. وهذا هو الاختلاف ما بين غوغل ومحل الحلاقة. حيث أن محل الحلاقة لا يمكنه التوسع والنمو.

من أجل أن تنمو الشركة إلى حجم كبير جدًا، يجب عليها (أ) أن تصنع شيء يحتاجه عدد كبير من الناس و(ب) أن يصل ويخدّم جميع هؤلاء الناس. يمكن لمحلات الحلاقة أن تبلي جيدًا في النقطة (أ)، لأن الجميع تقريبًا بحاجة لقص شعرهم. المشكلة التي تواجه محل الحلاقة، وأي منشأة تعتمد على التجزئة هي النقطة (ب). محل الحلاقة يخدم الزبائن بشكل شخصي، وعدد قليل منهم سيسافر من أجل قص شعره، وحتى لو فعلوا ذلك فإن محل الحلاقة لا يمكنه استضافتهم. [1]

يعدّ صنع البرمجيات طريقة رائعة لحل النقطة (ب)، لكنك لاتزال مقيدًا بـ (أ). إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة التبتية للمتحدثين بالمجرية، فإنك ستكون قادرًا على الوصول إلى معظم الأشخاص الذين يرغبون بذلك، لكن لن يكون عددهم كبيرًا. أما إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة الإنكليزية للمتحدثين بالصينية، فأنت في منطقة الشركات الناشئة.

معظم الشركات مقيدة بشكل قوي إما في (أ) أو (ب). والسمة المميزة للشركات الناشئة أنها ليست كذلك.

الأفكار

قد يبدو أنه دائمًا من الأفضل أن تبدأ شركة ناشئة بدلًا عن شركة عادية. فإذا كنت ستطلق شركة، لم لا تبدأ بالنوع الذي يكون له معظم الإمكانات؟ المشكلة أننا هنا في سوق كفؤ إلى حد ما. إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة التبتية للمجريين، فإنه لن تواجهك منافسة كبيرة. لكن لو صنعت برنامجًا لتعليم اللغة الإنكليزية للمتحدثين بالصينية، فإنك ستواجه منافسة شرسة، تحديدًا لأن ذلك أشبه بالجائزة الكبرى.

إن القيود التي تحدد الشركات الناشئة تحميها أيضًا. وهذا هو التنازل عن ميزة مقابل الحصول على ميزة أخرى. إذا أطلقت محل حلاقة، فإنه يتوجب عليك المنافسة مع محلات الحلاقة المحلية فقط. لكن لو أطلقت محرك بحث فيتوجب عليك المنافسة مع العالم بأسره.

إن الشيء الأكثر أهمية هو أن القيود على الشركات العادية لا تحمي من المنافسة، بل من صعوبة ابتكار أفكار جديدة. فإذا افتتحت محلًا للمشروبات في حي معيّن، فإن القيود لا تحدد إمكانياتك وتحميك من المنافسين فحسب، بل أيضًا القيود الجغرافية تساعد على التعريف بشركتك. بالتالي محل المشروبات + الحي هي فكرة جيدة عن مشروع صغير. وبنفس الأمر للشركات المقيدة في (أ)، فإن مجالك يحميك ويعرفّك أيضًا.

في حين لو أطلقت شركة ناشئة، فإنك على الأرجح سوف تفكر في شيء أكبر. على الشركة الناشئة أن تفعل شيء يمكنه الوصول إلى سوق كبير، والأفكار المتعلقة بذلك النوع من الشركات قيّمة للغاية لدرجة أن كل الأفكار الواضحة تم استغلالها.

تم اختيار ذلك الفضاء من الأفكار بدقة لدرجة أن الشركة الناشئة عمومًا عليها أن تعمل على شيء تجاوز الجميع النظر إليه. وكنت سأقول أن تقوم بجهد كافي للعثور على الأفكار التي أغفلها الجميع. لكن ليست تلك الطريقة التي بدأت بها معظم الشركات الناشئة. عادة تنجح الشركات الناشئة بسبب أن المؤسسين مختلفين عن باقي الناس بحيث أن الأفكار التي يراها عدد قليل منهم تكون واضحة لهم. وربما لاحقًا قد يتراجعون خطوة للوراء ويلاحظون أنهم عثروا على فكرة كان الجميع غافلًا عنها، ومنذ ذلك الحين يبذلون جهدهم للبقاء هناك. [3] لكن في اللحظة التي تنطلق فيها الشركة الناشئة الناجحة، يكون معظم الابتكار بشكل غير واع.

المميز في المؤسسين الناجحين أنهم يستطيعون رؤية المشاكل المختلفة. إنه مزيج جيد أن تكون ماهرًا في التقنية و مواجهة المشاكل التي يمكن حلّها بواسطتها، لأن التقنية تتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن الأفكار السيئة سابقًا تصبح جيدة بدون أن يلاحظها أحد. كانت مشكلة ستيف وزنياك Steve Wozniak أنه أراد حاسوبه الخاص. وكانت تلك مشكلة غير اعتيادية في عام 1975. لكن التغييرات التقنية عملت على تحويلها إلى مشكلة عامة. لأنه ليس فقط أراد حاسوبًا بل عرف كيف يصنعه أيضًا. حيث كان وزنياك قادرًا على صنع واحدًا له، وأصبحت المشكلة التي حلّها لنفسه ما تحلّه آبل لملايين الناس خلال السنوات التالية. لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح للناس العاديين أن هذا سوق كبير، وكانت قد تأسست شركة آبل.

غوغل لديها بدايات مماثلة أيضًا، أراد كل من لاري بايج Larry Page و سيرجي برين Sergey Brin أن يبحثا عبر الويب, لكن على عكس معظم الناس فلم تتوفّر لديهما الخبرة التقنية لملاحظة أن محركات البحث الأخرى لم تكن جيدة كفاية كما أرادا فحسب، وإنما كانت لديهما أيضًا معرفة في تطويرها. أصبحت مشكلتهم خلال السنوات القليلة التالية مشكلة الجميع، حيث نما الويب إلى حجم لا يتطلب خبرة عالية لتعرف أن الخوارزميات القديمة لم تعد جيدة كفاية لها. لكن كما حصل مع آبل، في الوقت الذي أدرك فيه الجميع مدى أهمية البحث، كانت غوغل قد ترسّخت.

هذا أحد الارتباطات ما بين أفكار الشركات الناشئة والتقنية. التغير السريع في منطقة واحدة يكشف عن مشاكل كبيرة وغير محلولة في مناطق أخرى. في بعض الأحيان تكون التغييرات تقدمًا، وما تغيره يكون القابلية للحل. وهذا هو نوع التغيير الذي أسفر عن إطلاق آبل، وأتاح التقدم في تقنيات الشرائح أخيرًا لستيف وزنياك تصميم حاسوبه الخاص الذي يستطيع تحمل تكلفته. لكن في حالة شركة غوغل كان التغير الأكثر أهمية هو نمو شبكة الويب. وما تغير هناك لم يكن قابلية الحل إنما التكبير.

والارتباط الآخر ما بين الشركات الناشئة والتقنية هو أن الشركات الناشئة تؤسس طرق جديدة للقيام بالأعمال، وهذا ما يؤدي إلى ظهور تقنيات جديدة. عندما تبدأ الشركة الناشئة بفكرة ظهرت نتيجة التغير التقني وتقوم بصنع منتج مؤلف من التقنية بالمعنى الضيق ( ما اعتدنا على وصفه “عالي التقنية”)، فإنه من السهل الخلط بينهما. إلا أن الارتباطان يختلفان من حيث المبدأ فالأول يمكنه أن يطلق شركة ناشئة لم تكن تقودها التغيرات التقنية ولا المنتج الذي يتألف من التقنية ما عدا في المعنى الواسع. [4]

المعدّل

ما هي السرعة التي يجب أن تنمو بها الشركة حتى تعتبر ناشئة؟ ليس هناك إجابة دقيقة على هذا السؤال. في البداية إطلاق شركة ناشئة لا يزيد عن كونه توضيح لطموح المرء. فأنت ملتزم ليس بمجرد تأسيس الشركة، بل بإطلاق شركة تنمو بسرعة، وبالتالي أنت ملتزم بالبحث عن فكرة نادرة لهذا النوع من الشركات. لكن في البداية ليس لديك أكثر من هذا الالتزام. إن إطلاق شركة ناشئة أشبه ما يكون بالمُمثّل. في بداية حياته المهنية يكون المُمثّل ذلك الشخص المنتظر الذي يذهب لاختبارات الأداء، وإن حصل على أدوار فإن ذلك يجعله ممثل ناجح، لكنه لا يصبح ممثلًا فقط عندما يصبح ناجحًا.

لذا فإن السؤال الحقيقي ليس ما هو معدل النمو الذي يجعل الشركة ناشئة، بل ما هو معدل النمو الذي تملكه الشركات الناشئة الناجحة؟ هذا أكثر من مجرد سؤال نظري بالنسبة للمؤسسين، لأنه مساوي لسؤالهم إن كانوا على المسار الصحيح.

يكون لنمو الشركة الناجحة عادة ثلاثة مراحل:

1. هناك الفترة الأولية من البطء أو اللانمو حيث تحاول الشركة أن تتعرف على ما تقوم به.

2. ما أن تكتشف الشركة الناشئة كيف تقوم بشيء ما يريده عدد كبير من الناس وكيف تصل إليهم، تكون هناك فترة النمو السريع.

3. أخيرًا، عندما تنمو الشركة الناشئة الناجحة لتصبح شركة كبيرة. سيتباطأ النمو، وبسبب قيود داخلية جزئيًا و بدء اصطدام الشركة بقيود في الأسواق التي تخدمها.[5]

تشكّل هذه المراحل الثلاثة معًا منحنى س. والمرحلة الثانية، الصعود هي التي يعرّف النمو فيها الشركة الناشئة. ويحدد طولها وانحدارها حجم الشركة وإلى أي مدى يمكن أن يصل.

إن الانحدار هو معدل نمو الشركة. وإذا كان هناك رقم يجب على كل مؤسس شركة أن يعرفه، هو معدل نمو الشركة. إنّه مقياس الشركة الناشئة. وإذا كنت لا تعرف هذا الرقم، فأنت لا تعرف حتى إن كان أداء شركتك جيدًا أو سيئًا.

عندما قابلت مؤسسي الشركات وسألتهم عن معدلات النمو لديهم، أحيانًا يخبرني بعضهم ” لدينا حوالي بضعة مئات من الزبائن الجدد شهريًا”. هذا ليس معدّلًا. ليس المهم العدد المطلق للزبائن الجدد، بل نسبة الزبائن الجدد إلى الزبائن الحاليين. فإذا كان لديك عدد ثابت من الزبائن الجدد شهريًا، فأنت في ورطة، لأن ذلك يعني أن معدل النمو لديك يتراجع.

في حاضنة الأعمال Y Combinator نقوم بمراجعة معدل النمو أسبوعيًّا، لأن هناك وقت قصير للغاية قبل يوم العرض التجريبي، وأيضًا لأن الشركات الناشئة بحاجة عاجلة للتغذية الراجعة من المستخدمين من أجل تحسين ما يقومون به. [6]

إن معدل النمو الجيد في حاضنة Y Combinator يتراوح ما بين 5-7% في الأسبوع. فإذا استطعت الوصول إلى 10% أسبوعيًا فإن أدائك جيد بشكل استثنائي. وإذا استطعت تحقيق 1% فقط، فإن هذا علامة على أنك لم تعي بعد ما الذي يجب عليك القيام به.

إن أفضل شيء لقياس معدل النمو هو العائدات. وثاني أفضل شيء هو معدل المستخدمين النّشطين. وهذا بديل معقول لنمو العائدات لأنه ما أن تبدأ الشركة بتحقيق المال، فإن عائداتها سوف تتضاعف بشكل ثابت عن عدد المستخدمين النّشطين. [7]

البوصلة

ننصح عادة الشركات الناشئة أن تختار معدل نمو يعتقدون أنه يمكنهم تحقيقه، وبعدها فقط تكرار محاولة تحقيقه في كل أسبوع. إن الكلمة الهامة هنا هي “فقط”. إذا قررت الشركة أن تنمو بمعدل 7% أسبوعيًّا وحققت هذا المعدل، فإنها تعتبر ناجحة في ذلك الأسبوع. وليس هناك شيء آخر يتعين عليها القيام به. لكن إذا لم تتمكن من تحقيقه، فإنها فشلت في الشيء الوحيد الهام، ويجب أن تشعر بالإنذار تبعًا لذلك.

سوف يدرك المبرمجون ما نتحدث عنه هنا. إننا نحوّل إطلاق الشركة الناشئة إلى عملية تحسين. وأي شخص حاول تحسين شيفرة برمجية يعرف لأي مدى تكون فعالية تضييق التركيز. إن تحسين الشيفرة البرمجية يعني أخذ برنامج جاهز حاليًا وتغييره ليستخدم كمية أقل من شيء ما، عادة ما يكون الوقت أو الذاكرة. ليس عليك أن تفكر حيال وظيفة البرنامج، فقط اجعله أسرع. إن هذا عمل مرضي للغاية بالنسبة لمعظم المبرمجين. إن التركيز الضيق يجعل الأمر كنوع من اللغز، وأنت مندهش من السرعة التي يمكنك فيها حله.

إن التركيز أو الوصول إلى معدل النمو يقلل بطريقة أخرى المشاكل المثيرة للارتباك المصاحبة لإطلاق شركة ناشئة من أجل مشكلة واحدة. يمكنك استخدام معدل النمو هذا من أجل اتخاذ جميع القرارات، أي شيء يحقق لك معدل النمو يجب أن تحكم لصالحه. هل عليك قضاء يومين في المؤتمر؟ هل عليك توظيف مبرمج آخر؟ هل عليك التركيز أكثر على التسويق؟ هل عليك قضاء الوقت في التودد لزبون مهم؟ هل عليك إضافة الميزة الفلانية؟ أي شيء يحقق لك معدل النمو المستهدف.[8]

لا يعني الحكم على نفسك من خلال معدل النمو الأسبوعي أنه لا يمكنك النظر لأبعد من فترة أسبوع. ما أن تجرب ألم إخفاق الوصول إلى هدفك في أسبوع ما ( لقد كان الشيء الوحيد المهم، وفشلت في تحقيقه)، فإنك تصبح مهتمًا في أي شيء يمكن أن يوفر عليك هذا الألم في المستقبل. على سبيل المثال سوف تتمنى لو وظّفت مُبرمجًا آخر، مع أنه لن يساهم في معدل النمو لهذا الأسبوع، لكن ربما خلال شهر سوف يضيف خصائص جديدة سوف تكسبك المزيد من المستخدمين. لكن إذا كان فقط (أ) التشتت من عملية توظيف أحدهم لن يجعلك تفشل في تحقيق أهدافك خلال المدى القصير، و (ب) لديك قلق بالغ حيال ما إذا كنت قادرًا على الوصول إلى معدلات النمو المستهدفة بدون الحاجة لتعيين أشخاص جدد.

إن هذا لا يعني أنك لا تفكر بالمستقبل، بل يعني أنك تفكر حول الأشياء الضرورية فحسب.

نظريًا فإن هذه العملية الشاقة يمكن أن تقود الشركة الناشئة إلى المتاعب. يمكن أن يصل بها الأمر في نهاية المطاف إلى مستوى أعظمي لكن محليًا. وفعليًا هذا لن يحدث أبدًا. إن تحقيقك لمعدل النمو أسبوعيًّا يجبر المؤسسين على التصرف، وهذا مقابل عدم التصرف هو سقف النجاح. في تسعة مرات من كل عشرة يكون التخطيط الاستراتيجي مجرد شكل من المماطلة. في حين أن حدس المؤسسين حول اختيار أية هضبة يجب تسلقها يكون عادة أفضل مما يعرفون. بالإضافة إلى أن أقصى ما في فضاء أفكار الشركات الناشئة ليس شائكًا ومعزولًا. معظم الأفكار الجيدة إلى حد ما هي بجوار أفكار أفضل منها.

الشيء الساحر حول التحسين من أجل النمو أنه يمكنه استكشاف أفكار للشركات الناشئة. يمكنك استخدام الحاجة للنمو كشكل من الضغط التطوري. إذا بدأت مع بعض التخطيط المبدئي ومن ثم عدلت الخطة بما يستلزم تحقيق معدل نمو أسبوعي 10% مثلًا, يمكن أن ينتهي بك المطاف مع شركة مختلفة كليًّا عن التي كنت تنوي تأسيسها. لكن أي شيء ينمو بشكل ثابت بمعدل 10% أسبوعيًا على الأغلب أفضل من الفكرة التي بدأت منها.

هنا يتوازى الأمر مع الشركات الصغيرة. كما أن القيود التي تبقيك في حي جغرافي معين ساعد محل المشروبات على التعريف به، فإن قيود النمو بمعدل محدد يمكن أن يساعد على التعريف بالشركة الناشئة.

بشكل عام من الأفضل أن تتبع هذا القيد بغض النظر عن وجهته بدلًا من أن تكون متأثرًا ببعض الرؤى المبدئية، كما أن العلماء يفضلون متابعة الحقيقة إلى نهايتها بدلًا من التأثر بالأمنيات. عندما قال ريتشارد فاينمان Richard Feynman أن مخيلة الطبيعة أعظم من مخيلة الإنسان، كان يقصد أنه لو التزمت بمتابعة الحقيقة فإنك سوف تستكشف أشياء أروع مما يمكن أن تصنعه. وبالنسبة للشركات الناشئة فإن النمو هو قيد أشبه بالحقيقة. كل شركة ناشئة ناجحة هي على الأقل جزئيًا نتاج مخيلة النمو. [9]

القيمة

من الصعب أن تعثر على شيء ما ينمو بشكل مستمر وبعدة نسب مئوية أسبوعيًا، لكن إذا عثرت عليه فإنك تكون قد وصلت إلى شيء قيّم للغاية. وإذا تابعت الحديث ستعرف السبب.

growth.thumb.png.c7a81c21cdb1b8929940708

إن الشركة التي تنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 1.7 مرة سنويًا، في حين أن الشركة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 12.6 مرة سنويًا. والشركة التي تحقق ألف دولار شهريًا ( وهو رقم عادي في المراحل المبكرة في حاضنة الأعمال Y Combinator ) وتنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 7900 دولار شهريًا بعد 4 سنوات، وهو أقل مما يدفع كراتب لمبرمج جيد في وادي السيليكون. والشركة الناشئة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 25 مليون دولار شهريًا بعد 4 سنوات.[10]

نادرًا ما عرف أسلافنا حالات النمو المتسارع، لأن حدسنا لا يستطيع أن يدلنا على هذا. وما يحدث للشركات الناشئة التي تنمو بسرعة يفاجئ حتى مؤسسيها.

تؤدي الاختلافات الصغيرة في معدل النمو إلى نتائج مختلفة نوعيًا. ولهذا السبب هناك كلمة منفصلة تعبّر عن الشركات الناشئة، ولهذا أيضًا تقوم تلك الشركات بما لا تفعله الشركات العادية. كالحصول على التمويل والاستحواذ عليها، وبغرابة أيضًا أن تفشل بشكل متكرر.

ومع الأخذ بعين الاعتبار القيمة التي يمكن أن تصل إليها الشركة الناشئة الناجحة، سيتفاجئ أي شخص مطّلع على مفهوم القيمة المتوقعة إذا لم تكن معدلات الفشل مرتفعة. إذا استطاعت الشركة الناشئة الناجحة أن تحقق للمؤسس مليون دولار، حتى عندها سيكون معدل النجاح هو فقط 1%، وستكون القيمة المتوقعة لإطلاق شركة ناجحة مليون دولار. ولكن إن احتمال وجود مجموعة من المؤسسين الأذكياء والمصممين على النجاح عند ذلك الحد سيكون أعلى من 1% بشكل ملحوظ. وبالنسبة للأشخاص المناسبين، مثل بيل غيتس، فإن الاحتمال قد يكون 20% أو حتى 50%. لذا من غير المفاجئ أن هناك الكثير ممن يود أن يخوض المغامرة. في السوق المُتكافئة، يجب أن يكون عدد الشركات الناشئة الفاشلة مناسب لحجم الشركات الناجحة، وبما أن الأخير ضخم للغاية يجب أن يكون الأول كذلك.[11]

وهذا يعني أنه في أي وقت، سوف تعمل الغالبية العظمى من الشركات الناشئة على شيء لن يتحقق أبدًا، وسوف تمجّد جهودها المحتومة بالفشل تحت العنوان العظيم “الشركة الناشئة”.

وهذا لا يزعجني. أنه يحدث أيضًا للمهن المرموقة كأن تكون ممثلًا أو روائيًا. لقد اعتدت على هذا الأمر منذ زمن بعيد. لكنه على ما يبدو يزعج الكثير من الناس، بالتحديد أولئك الذين أسّسوا من قبل شركات عادية. انزعج العديد منهم لأن الشركات المدعوة بالناشئة تحظى بالاهتمام، مع أنه بالكاد القليل منها سيصل إلى أي شيء.

إذا رجعوا خطوة للوراء ونظروا إلى الصورة الكاملة فإنهم سيكونون أقل سخطًا. إن الخطأ الذي يرتكبونه هو إسناد رأيهم بناءً على أدلة كلامية لأنهم يحكمون ضمنيًا عبر استخدام الوسيط median لا المتوسط الحسابي. إذا حكمت على الشركة الناشئة الوسيطة، فإن كامل مفهوم الشركة الناشئة سيبدو كاحتيال. عليك أن تخترع فقاعة لشرح لماذا يرغب المؤسسون بإطلاق تلك الشركات أو المستثمرون بتمويلها. لكن من الخطأ استخدام الوسيط في مجال فيه تباينات كبيرة. إذا نظرت إلى المتوسط الحسابي للمخرجات بدلًا من الوسيط، يمكنك أن تفهم لماذا يحبهم المستثمرون، ولماذا من العقلانية بالنسبة للمؤسسين إطلاق تلك الشركات.

الصفقات

لماذا يحبّ المستثمرون الشركات الناشئة جدًا؟ لماذا يتحمسون للغاية للاستثمار في تطبيقات مشاركة الصور، بدلًا عن الأعمال التي تحقق الأموال بشكل أفضل؟ ليس من أجل السبب الواضح فقط.

إن اختبار أي استثمار هو معدل العائد إلى الخطر. تتجاوز الشركات الناشئة هذا الاختبار لأنها ،على الرغم من خطورتها الواضحة، تحقق العوائد المجزية عندما تنجح. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل المستثمرين يحبون الشركات الناشئة. قد يكون لدى الشركة العادية بطيئة النمو معدل عائد على الخطر جيد تمامًا كما لدى الشركة الناشئة أيضًا إذا كانت بطيئة. بالتالي لماذا يهتمّ المستثمرون المخاطرون فقط بالشّركات عالية النمو؟ السبب الحقيقي يكمن في أنهم يحصلون على العوائد عندما يسترجعون رأس المال، والحالة المثالية لذلك بعد طرح الشركة الناشئة للاكتتاب العام، أو يتعذر حصولهم على شيء عندما يُستحوذ عليها.

الطريقة الأخرى للحصول على العوائد من الاستثمارات هي في شكل أرباح الأسهم. لماذا لا توجد هناك صناعة موازية للاستثمار المخاطر حيث يكون الاستثمار في الشركة العادية بمقابل نسبة من أرباحها؟ لأنه من السهل للغاية على الأشخاص الذين يديرون الشركة الخاصة أن يحولوا عائداتها لأنفسهم ( مثلًا عبر شراء المكونات المبالغ بسعرها من موردين يمكنهم التحكم بهم) أثناء عملية تحويل شكل الشركة لتبدو وكأنها مربحة بعض الشيء. وعلى أي شخص يستثمر في الشركات الخاصة مقابل العوائد على الأسهم أن يكون مطّلعًا عن كثب على سجلات ودفاتر الشركة المالية.

السبب الذي يدفع المستثمرين المخاطرين للاستثمار في الشركات الناشئة، ببساطة ليس العوائد، بل أيضًا إن مثل هذه الاستثمارات سهلة المراقبة والإشراف. حيث أن المؤسسين لا يمكنهم إثراء أنفسهم بدون إثراء المستثمرين. [12]

لماذا يريد المؤسّسون أن يحصلوا على أموال المستثمرين المخاطرين؟ النمو، مجددًا. إن القيود التي تفصل ما بين الأفكار الجيدة والنمو تعمل في كلا الاتجاهين. ليس الأمر مجرد أنك تريد فكرة قابلة للتكبير من أجل النمو. إذا كانت لديك مثل هذه الفكرة لكنك لا تنمو بسرعة، فإن المنافسين سيفعلون ذلك. إن النمو البطيء للغاية خطر على الشركات مع تأثيرات جانبية على غيرها، وهو ما تواجهه حتى أفضل الشركات الناشئة عادة إلى حد ما.

كل شركة تقريبًا بحاجة لبعض المال من أجل أن تبدأ. لكن غالبًا ما تحصل الشركات على تمويل حتى عندما تكون رابحة. قد يبدو من الغباء بيع أسهم شركة رابحة بسعر أقل مما تعتقد أنه سيكون في المستقبل، لكنه ليس بقدر الغباء الذي يدفعك لشراء بوليصة تأمين. في الواقع هذا ما تقوم به معظم الشركات الناشئة الناجحة عندما تستعرض عمليات التمويل. حيث يمكنها النمو بالاعتماد على عائداتها الخاصة، لكن يساعد المال الإضافي الذي يقدمه المستثمرين المخاطرين على النمو أسرع. إن الحصول على التمويل يتيح لك اختيار معدل النمو الخاص بك.

دائمًا يكون المال المخصص للنمو بسرعة في قيادة معظم الشركات الناشئة الناجحة. يمكن للشركة الناشئة أن تربح فقط إذا أرادت النمو بواسطة عائداتها الخاصة. قد يكون النمو البطيء خطرًا بعض الشيء، لكن هناك احتمالات بأن تنجو. في حين أن المستثمرين المخاطرين يبحثون عن الاستثمار في الشركات الناشئة، وتحديدًا في الشركات الناشئة الأكثر نجاحًا، أو سوف يتوقفون عن العمل ويفشلون. وهذا يعني أن أي شركة ناشئة واعدة سوف يعرض عليها الحصول على المال بشروط لن يستطيعوا رفضها. وبالنظر إلى حجم النجاح في أعمال الشركات الناشئة، لا يزال أمام المستثمرين المخاطرين فرصة لتحقيق الأرباح من مثل هذه الاستثمارات. قد لا تصدق أن شركتك سوف تصل قيمتها إلى معدل نمو مرتفع للغاية، لكن البعض يصدق ذلك.

لماذا كل شركة ناشئة ناجحة تقريبًا سوف تتلقّى عروض استحواذ أيضًا؟ ما الذي يجعل الشركات الناشئة مرغوبة لدى الشركات الأخرى لدرجة أنها تريد شرائها؟[13]

في الواقع أن الشيء الذي يجعل أي شخص يرغب بالحصول على أسهم الشركات الناشئة الناجحة: هو أن الشركة الناشئة التي تنمو بسرعة تصبح قيّمة. أنه أمر جيد على سبيل المثال أن تستحوذ إيباي eBay على باي بال Paypal ، لأن باي بال اليوم مسؤولة عن 43% من مبيعاتها وربما قسم أكبر من نموها.

لكن هناك أسباب إضافية تجعل المستحوِذين يرغبون بالشركات الناشئة. إن الشركة التي تنمو بسرعة ليست فقط قيّمة، بل خطرة أيضًا. إذا استمرت بالتوسّع، قد تصل لمرحلة تتوسّع فيها ضمن منطقة سيطرة المستحوذ نفسه. إن معظم عمليات الاستحواذ على المنتجات تحوي جزءًا من الخوف. حتى لو لم يتّعرض المستحوذ لتهديد الشركة الناشئة نفسها، قد يستشعرون الخطر مما يمكن للمنافس أن يفعل بالشركة المستحوذ عليها. وبسبب أن الشركات الناشئة تبدو قيمتها مضاعفة بالنسبة للمستحوِذ، فإنه غالبًا ما يدفع المزيد من المال مقارنة بمستثمر عادي.

الفهم

إن مزيج المؤسسين، المستثمرين و المستحوِذين يشكّل نظامًا اقتصاديّا طبيعيّا. إنّه يعمل بطريقة تجعل أولئك الذين لا يفهمونه يخترعون نظريات مؤامرة لشرح كيف تسير الأمور.

إذا بدأت من افتراض خاطئ أن انستغرام Instagram كان عديم القيمة، عليك أن تبتكر رئيسًا سريًّا يجبر مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg على شرائه. وأي شخص يعرف مارك زوكربيرغ فإن هذا برهان مخالف للافتراض الأولي. السبب الذي دفعه لشراء انستغرام كان أنها شركة قيّمة وخطرة وما جعلها كذلك هو النمو.

إذا أردت فهم الشركات الناشئة، افهم النمو. يقود النمو كل شيء في هذا العالم. النمو هو السبب الذي يجعل الشركات الناشئة عادة تعمل في قطاع التقنية، لأن أفكار الشركات التي تنمو بسرعة نادرة جدًا لدرجة أن أفضل طريقة للعثور على واحدة منها هو استكشاف ما أظهرته التغييرات الأخيرة، والتقنية هي أفضل مصدر للتغيير السريع. إن النمو هو ما يفسر عقلانية الخيار للعديد من المؤسسين لجدوى محاولة إطلاق شركة ناشئة: النمو يجعل الشركات الناجحة قيّمة للغاية لدرجة أن القيمة المتوقعة عالية على الرغم من ارتفاع الخطر أيضًا. النمو هو ما يجعل المستثمرين المخاطرين يستثمرون في الشركات الناشئة: ليس من أجل العوائد العالية فقط، بل أيضًا من أجل سهولة توليد العوائد على رأس المال مقارنة بتوليد العوائد من الأسهم. يشرح النمو سبب قبول الشركات الناشئة الناجحة للتمويل المخاطر حتى عندما لا تكون بحاجة له: أنه يسمح لهم باختيار معدل النمو. ويشرح النمو لماذا تحصل الشركات الناشئة الناجحة بشكل مستمر على عروض استحواذ. إن الشركة التي تنمو بسرعة بالنسبة للمستحوِذين ليست مجرد قيّمة بل خطرة أيضًا.

إذا أردت النجاح في مجال ما، ليس عليك فهم القوى المؤثرة فيه فحسب. إن تأسيس الشركات الناشئة يتألف من عملية فهم النمو. ما ستقوم به حقًا ( ومن أجل أن أرعب بعض المتحفظين، كل ما تقوم به) عند تأسيس شركة ناشئة هو الالتزام بحل أصعب نوع من المشاكل مقارنة بما تفعله الشركات العادية. فأنت ملتزم بالبحث عن واحدة من الأفكار النادرة التي تحقق النمو السريع. لأن هذه الأفكار قيّمة للغاية لدرجة أن العثور على واحدة منها صعب. إن الشركة الناشئة ما هي إلا تجسيد لاكتشافاتك. بالتالي تأسيس الشركة الناشئة يشابه إلى حد كبير أن تقرر بأن تصبح عالم أبحاث: لست ملتزمًا بحل أي مشكلة محددة، لا تعرف بالتأكيد أي المشاكل قابلة للحل، لكنك ملتزم بمحاولة استكشاف شيء ما لم يعرفه أحد بعد. في الواقع إن مؤسس الشركة الناشئة عالم أبحاث اقتصادي. معظم المؤسسين لا يكتشفون أي شيء رائع، لكن البعض يكتشف النسبية.

الهوامش

[1] بالمعنى الدقيق للكلمة، أنت لست بحاجة إلى عدد كبير من الزبائن بل إلى سوق كبير، ما يعني أن المنتج الذي لديه عدد كبير من الزبائن الذين يشترون عدة مرات يخبرنا بالمقدار الذي سيدفعونه. لكن أيضًا من الخطر أن يكون لديك عدد قليل من الزبائن حتى لو كانوا يدفعون الكثير، أو لدى كل زبون بشكل فردي سلطة أكبر يمكن أن تحولك في الواقع إلى شركة استشارية. لذا بغضّ النظر عن السوق الذي تعمل فيه، سيحتم عليك عادة أن تفعل أفضل ما في وسعك على الجانب الذي يجعلك تصنع أوسع نوع من المنتجات.

[2] شجّع ديفيد هاينماير هانسون David Heinemeier Hansson في إحدى السنوات في كلية الشركات الناشئة المبرمجين الذين يرغبون تأسيس شركاتهم الخاصة على استخدام المطاعم كنموذج عمل. ما كان يقصده، برأي، أنه من المقبول أن تبدأ شركة برمجيات مقيدة في (أ) بنفس الطريقة التي كان بها المطعم مقيد في (ب). اتفق مع هذا الكلام. ليس على معظم الناس أن يحاولوا تأسيس شركة ناشئة.

[3] ذلك النوع من التراجع هو أحد الأشياء التي نركّز عليها في حاضنة Y Combinator أنه شيء شائع بالنسبة للمؤسسين أن يقوموا باستكشاف شيء بواسطة الحدس بدون فهم كل تطبيقاته. وهذا صحيح على الأرجح لأكبر الاكتشافات في أي مجال.

[4] لقد أخطأت فيما سبق (في مقالة ” كيف تصنع الثروة ” تحديدًا) عندما قلت أن الشركات الناشئة كانت شركات صغيرة تعمل على مشكلة تقنية صعبة. تلك كانت الوصفة الأكثر شيوعًا ولم أكن المخطئ الوحيد.

[5] لا تكون الشركات محدودة بحجم السوق الذي تخدمه ظاهريًا، بسبب أنها قادرة على التوسّع في أسواق جديدة. لكن يبدو أن هناك قيود على إمكانية فعل ذلك من قبل الشركات الكبيرة. ما يعني أن التباطؤ الذي يحصل نتيجة الاصطدام مع قيود أحد الأسواق هو في النهاية مجرد طريقة أخرى للتعبير عن القيود الداخلية.

قد يمكن تجاوز بعضّ هذه القيود عبر تغيير شكل المنظمة – تحديدًا تقسيمها.

[6] من الواضح أن هذا الأمر خاص بالشركات الناشئة التي أطلقت بالفعل أو يمكن أن تطلق خلال فترة الحضانة. إن الشركة الناشئة التي تصمم قاعدة بيانات على الأرجح لن تفعل هذا. وعلى الجانب الآخر فإن إطلاق شيء ما بشكل صغير ثم استخدام معدل النمو كضغط يعتبر تقنية قيّمة يجب على أيّ شركة قادرة على أن تبدأ بها أن تفعل ذلك.

[7] يجب أن يكون معدلّ النمو أعلى، إذا كانت الشركة الناشئة تنظر إلى بدايات فيس بوك وتويتر وتصنع شيء تأمل أنه سيصبح مشهورًا للغاية لكنها لم تحدد بعد خطة لتحقيق الإيرادات. على الرغم من أن هذا بديل عن نمو العائدات، لأن مثل هذه الشركات تحتاج لعدد كبير جدًا من المستخدمين لتحقق النجاح.

كنّ حذرًا أيضًا من حالة الحافة حيث يتّسع كل شيء بسرعة، إذ يكون لديك صافي ثروة جيد حتى تقوم باستغلال كافة المستخدمين المحتملين، وعند هذه النقطة تتوقف فجأة.

[8] عندما نقول في الحاضنة أنه من الحق أن تفعل كل ما يجب فعله لتحقيق معدل النمو المطلوب، نقصد بذلك ضمنيًا استثناء الخدع مثل شراء المستخدمين، اعتبارهم نشطين عندما لا يكونون كذلك، إرسال الدعوات بشكل متزايد دوريًا لصنع منحنى نمو مثالي …إلخ. وحتى لو تمكّنت من خداع المستثمرين بمثل هذه الخدع، سينتهي بك الأمر إلى أن تؤذي نفسك، لأنك ترمي البوصلة الخاصة بك بعيدًا.

[9] وهي لماذا يعتبر خطأ خطير أن تعتقد أن الشركة الناشئة الناجحة هي ببساطة تجّسيد بعض الأفكار الأوّلية الرائعة. ليس ما تبحث عنه هو الفكرة الرائعة بقدر ما هو فكرة يمكنك تطويرها لتصبح رائعة. يكّمن الخطر في أن الأفكار الواعدة ليست مجرد نسخة مموهة عن الأفكار الرائعة. إنها في الغالب نوع مختلف من الأفكار، لأن المستخدمين الأوائل الذين تقوم بتطوير فكرتك بناءً عليهم لديهم احتياجات مختلفة عن باقي أفراد السوق. على سبيل المثال، الفكرة التي تطورت إلى فيس بوك لم تكن مجرد مجموعة جزئية من فيس بوك، الفكرة التي تطورت إلى فيس بوك كانت موقع ويب لخريجي جامعة هارفارد.

[10] ماذا لو نمت الشركة 1.7 مرة سنويًا ولفترة طويلة للغاية؟ أليس بإمكانها النمو بنفس القدر الذي تنمو به أية شركة ناشئة ناجحة؟ من حيث المبدأ نعم بالطبع. إذا كانت شركتنا المفترضة تحقق ألف دولار شهريًا وتنمو بمعدل 1% سنويًا حتى 19 عامًا، فإنها ستنمو وتصبح كبيرة كما لو نمت شركة بمعدل 5% أسبوعيًا لفترة 4 سنوات. ولكن في حين أن مثل هذه المسارات تكون شائعة في بعض المجالات مثل التطوير العقاري، فإنك لا تراها تتكرر كثيرًا في الشركات التقنية والأعمال المتصلة بها. تميل الشركات في قطاع التقنية والتي تنمو ببطء إلى أن لا تنمو كالشركات الكبيرة.

[11] يختلف أي حساب للقيمة المتوقعة من شخص لآخر بحسب دالّة منفعة المال، مثلًا يكون المليون الأول قيّمًا أكثر بالنسبة لمعظم الناس مقارنة بالملايين الأخرى التالية. لكن لأي مدى يكون قيّمًا أكثر؟ يعتمد ذلك على الشخص. بالنسبة للمؤسسين الذين كانوا أكثر شبابًا وطموحًا تكون دالة المنفعة مستقيمة، وعلى الأرجح ما يجعل السبب بأن معظم مؤسسي الشركات الناجحة يكونون شباب.

[12] بدقة أكبر، هذه هي حالة الفائز الأكبر، والذي يكون مصدر كل الإيرادات. يمكن لمؤسس الشركة الناشئة أن يقوم بنفس الخدعة التي تثري نفسه على حساب الشركة من خلال بيعها مكونات مبالغ في سعرها. لكنه لن يكون الأمر يستحق هذا العناء بالنسبة لمؤسسي غوغل. إن مؤسسي الشركات الناشئة الفاشلة فقط من يسقطون تحت هذا الإغراء، وعلى كل حال هؤلاء تم شطبهم من اهتمام شركات التمويل المخاطر.

[13] تصنّف الاستحواذات في تصنيفين: تلك الاستحواذات التي تودّ بها الشركة المستحوذة الحصول على الشركة المستحوذ عليها، وتلك التي ترغب الشركة المستحوذة بالحصول على موظفي الشركة المستحوذ عليها فقط. ويطلق على هذا النوع الأخير أحيانًا استحواذات الموارد البشرية. لأنها تكون اسميًا عملية استحواذ لكنها تحمل تأثير كبير على حساب القيمة المتوقعة بالنسبة للمؤسسين، لذا ترى الشركة المستحوذة عمليات استحواذات الموارد البشرية أقرب إلى توظيف المكافآت.

[14] شرحت هذا الأمر ذات مرة لبعض المؤسسين الذين وصلوا للتو من روسيا. وجدوا الأمر غريبًا أنه إذا هددت شركة ما فإنها ستدفع لك غرامة. قالوا لي بشيء مشوب بالمزاح ” في روسيا سيكتفون بقتلك “. من ناحية اقتصادية، إن الشركات القائمة لا يمكنها ببساطة إلغاء المنافسين الجدد وهذا قد يكون واحد من أكثر الوجوه قيمة لقواعد القانون. وهكذا نرى أن من لديه منصب وسلطة يقمع المنافسين من خلال القوانين أو دعاوى براءات الاختراع، يجب علينا القلق ليس لأنه خروج عن القانون في حد ذاته، بل خروج عم يسعى القانون لتطبيقه.

ترجمة -وبتصرّف- للمقال startup = Growth لصاحبه Paul Graham
ترجمت المقال لصالح أكاديمية حسوب ونشر عليها أولاً وأعيد نشره لتعمّ الفائدة

2 Comments
  1. […] الشركة الناشئة هي شركة صممت لتنمو بسرعة. وكون الشركة تأسست حديثًا لا يجعلها شركة ناشئة. كما أنه من غير الضروري على الشركة الناشئة أن تعمل في قطّاع التقنية أو أن تقبل تمويلًا مخاطرًا أو أن يكون لها أي نوع من “خطط الخروج”. الشيء الوحيد الأساسي هو النمو. وكل شيء آخر يتم ربطه بالشركات الناشئة فهو … Source link […]

  2. Mohamed Gamal says

    ممكن بس شرح أكتر لجزئية ” القيمة” ؟
    “إن الشركة التي تنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 1.7 مرة سنويًا، في حين أن الشركة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 12.6 مرة سنويًا. والشركة التي تحقق ألف دولار شهريًا ( وهو رقم عادي في المراحل المبكرة في حاضنة الأعمال Y Combinator ) وتنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 7900 دولار شهريًا بعد 4 سنوات، وهو أقل مما يدفع كراتب لمبرمج جيد في وادي السيليكون. والشركة الناشئة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 25 مليون دولار شهريًا بعد 4 سنوات.[10] ”
    وان ازاى حضرتك حسبت رقم 7900 دولار شهريا ده ؟

Comments are closed.

%d