الاستراتيجيات السبع لفشل المشاريع

عندما كان توم واتسون رئيساً لشركة IBM في ستينات القرن الماضي استدعى أحد المدراء الكبار إلى مكتبه بعد أن خسرت الشركة عشرة ملايين دولار بفضل مشروعه الفاشل. سأله واتسون: هل تعرف لمَ استدعيتك؟..

ودون تفكير طويل قال الرجل الذي يعرف مزاج واتسون الفريد: أعتقد أنني مفصولٌ الآن!

– ماذا؟ أفصلك! تكلّفنا عشرة ملايين دولار على تدريبك ثم نفصلك!.. ما أريده الآن هو التأكّد من انّك تعلّمت ما ينبغي تعلّمه من هذا الدرس الباهظ.

هناك الكثير من دروس الإخفاق في عالم الشركات، ولكنّ التنفيذيين نادراً ما يتعلّمون الدروس التي ينبغي تعلّمها. ويرجع هذا إلى ميل أدبيات الأعمال نحو قصص النجاح وتخليدها و الإبتعاد عن الدروس المستفادة من الفشل .

إن الاكتفاء بالنظر إلى قصص النجاح يشبه مقابلة الفائزين بعد انتهائهم من لعبةٍ من ألعاب الحظّ وافتراض أنّ إستراتيجياتهم سوف تساعد غيرهم على تحقيق ما حققوه. لا يا عزيزي! حتّى تتكوّن لديك صورةٌ كاملةٌ عن فرص النجاح ينبغي عليك أن تقابل الخاسرين أيضاً!

لن تصلح بالتنفيذ ما أفسدته بالإستراتيجية

لردم الثغرة في أدبيات الأعمال امضى بول كارول و تشونكا موي نحو سنتين مع فريقٍ من الباحثين وهم يستكشفون 750 من أكبر إخفاقات الأعمال خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. ومن ذلك الاستكشاف وجدوا عدّة قواعد عامة يمكن أن تفيد الرؤساء التنفيذيين في تجنب الوقوع فيما وقع فيه آخرون من قبلهم.

لعلّ النتيجة الأوسع التي أوصل البحث إليها هي: إن نحو نصف الكوارث (46%) الواقعة كان ناجماً عن إستراتيجياتٍ خاطئة التوجّه أصلاً ولم يكن ناجماً عن حظٍ عاثر لا قبل لأحدٍ بتوقّعه وتجنّبه أو عن تنفيذٍ سيء، ولو أنّ الحكمة التقليدية الدارجة تقول بأنّ التنفيذ المتقن هو مفتاح نجاح الأعمال. لقد كانت هذه النسبة المشاهدة في الواقع تزيد بأكثر من ضعف النسبة الافتراضية التي كانت متوقعة في بداية الدراسة.

وجدت الدراسة أنّ هناك سبعة إستراتيجيات هي الأكثر ارتباطاً بوقائع الفشل. وإذاً، ينبغي على أيّ مدير يعتمد إحداها أن يعيد حساباته مرةً ثانية. لا يعني أنّ هذه الإستراتيجيات لا تنجح أبداً، فنجاحها ممكنٌ ومشاهد بالتأكيد، وإنّما تعني أنها ترتبط بحوادث الفشل أكثر من غيرها وتستدعي مزيداً من انتباه المدراء إلى مؤشرات الإنذار أثناء المضيّ فيها.

وجد البحث أيضاً أساليب عديدة لتفادي المشكلات،. كان أكبرها تقديم الآراء المخالفة في مرحلة وضع الإستراتيجية بطرق رسمية، تضمن إظهار المشكلات المحتملة إلى السطح وتمنع إخفاءها أو تلميعها ضمن مسعى التنفيذيين إلى تسويق أفكارهم واكتساب تأييد الناس لخططهم.

الإستراتيجيات السبع المؤدية إلى فشل المشاريع


1- synergy
يطيب للشخص الاستغراق في فكرة أن 1 +1 = 3، ولكن في كثير من الأحيان تجري رياح الواقع بما لا تشتهي سفن الطموحات ونجد أن 1+ 1 = 1.

في الثمانينات وقعت شركة سيرز Sears المالكة لسلسة مراكز التسوّق الضخمة في هذه الغلطة فاشترت كلاً من مؤسسة الخدمات العقارية كولدويل بانكر ومؤسسة دين ويتر لخدمات المضاربة والأسهم.

كانت نظريتهم هي: عندما يأتي العملاء إلى شركة سيرز لشراء أدوات البناء والصيانة الكهربائية فسوف يشترون أيضاً الأدوات الماليّة. ودعا بعضهم هذه الإستراتيجية بـِ “إستراتيجية الجوارب والأسهم socks and stocks”.

ولكنّ الزبائن كانوا في الواقع يختارون الوكلاء العقاريين وسماسرة الأسهم بمعايير أخرى غير معيار وجود هذين الاثنين معاً في وسط مركز تسوّق تجزئة شامل department store.

وهكذا اضطرّت سيرز إلى بيع الشركتين. لكن بعد أن تشتّت انتباه الإدارة وتركيزها الذي كان ينبغي توجيهه حينها إلى بوادر التهديد الكاسح الذي يُدعى wal-mart اكبر سلسلة متاجر تجزئة في العالم .

2- الهندسة المالية financial engineering

أحياناً، يشتدّ الذكاء بالشركات فتخرج بإستراتيجية تجدي على المدى القريب لكن لا تمكن استدامتها. مثلاً: تصدّرت شركة غرين تري الأمريكية فورةً في الإقراض من أجل المساكن المتنقلة في التسعينات وذلك بإتاحتها قرضاً عقارياً لمدة ثلاثين عاماً بدلاً من القرض المعتاد لخمسة عشر عاماً.

إنّ عمر الاستخدام المجدي للمسكن المتنقّل لا يتجاوز 10 أو 15 سنة، وبعد ثلاث سنوات من الاستخدام فإن منزلاً بقيمة خمسين ألف دولار سيصبح بنحو خمسةٍ وعشرين ألفاً ومع ذلك يبقى مديناً بتسعةٍ وأربعين ألفاً..

وفي النهاية أدّت موجةٌ من عجز الدائنين عن السداد ليس إلى القضاء على غرين تري وحسب ، بل وكذلك إلى إفلاس شركة كونسيكو التي اشترتها بـِ 7.6 مليار دولار عام 1998.

3- التجميعات rollups

وأحياناً تحلو لبعض القادة إمكانية شرائهم مئاتٍ من الأعمال الصغيرة وتشغيلها بكفاءة كشركةٍ واحدة على مستوى بلدٍ كامل ، ولكنّ هؤلاء غالباً ما يجدون تعقيداتٍ لا طاقةَ لهم ولا لخططهم بها.

من خلال الدراسة كان صعباً جداً العثور على أمثلةٍ لتطبيق إستراتيجيات تجميع ناجحة، وأمّا أمثلة الفشل فحدّث ولا حرج. مثلاً:

في أمريكا الشمالية اشترت شركة لوين فيونيرال هومز أكثر من 1100 مركزٍ لتجهيز الموتى والدفن خلال نحو اثني عشر عاماً ولم تجد من وراء ذلك التجميع نقاط كفاءة تُذكر ، وإنّما كدّست ديوناً فوق ديون حتّى انتهت إلى الإفلاس في عام 1999 و ” دفنت ” الشركة في مقبرة الفشل .

وكثيرٌ من أعمال التجميع هذه ينتهي بمشكلات وقضايا خداع واحتيال بسبب اضطرار التنفيذيين إلى إخفاء ما تعانيه شركاتهم من مشكلات وأوضاعٍ بائسة.

4- التركيز على البقاء في المسار

في بعض الأحيان تقرّر الشركات أنّ تستمرّ في تركيزها على مجال عملها الأساسي وتحسب أنّها على صواب في ذلك بينما هي تتجاهل تهديداً حقيقيّاً.

كانت كوداك واعيةً لنشوء التصوير الرقمي باكراً منذ العام 1981، عندما أجرت بحثاً مفصّلاً. ولكنّ تلك الشركة كانت مدمنةً على هامش الربحية بمقدار لا يقل عن 60% الذي كانت تحقّقه من عملها بالأفلام التقليدية و كيماويات التحميض وورق التصوير.

وهكذا، رأت تكنولوجيا التصوير الرقميّ إضافةً يمكن أن تعزّز عملها الحاضر ولم ترد رؤيتها بديلاً كاسحاً (تذكر جريدة النيويورك تايمز أنّه عندما أنجز باحثو كوداك نموذجاً معتمداً على التكنولوجيا الرقمية الجديدة كان تعليق الإدارة هو: جميل، ولكن لا تخبروا أحداً بذلك!)

كان منافسو كوداك، Agfa وفوجي يتصرّفون بحزم وفي الاتجاه الصحيح، وانتهى الأمر بكوداك إلى فقد 75% من قيمتها السوقية خلال السنوات العشر التالية واضطرت للتخلص من أكثر من ثلثي قوتها العاملة.

5- دخول سوق مجاور

يمكن للشركات تحقيق منافع عظيمة من توسيع نطاق أنشطتها (كما فعلت جنرال إلكتريك بقيادة جاك ويلش) ولكنّها في بعض الأحيان تبالغ في تقدير قيمة ما تقدّمه للأسواق الجديدة وتقلّل من تقدير التعقيدات التي تتكبّد مواجهتها.

كانت شركة ليدلو تظنّ أنّ نقل خبرتها في تشغيل باصات المدارس إلى قطاعٍ آخر قريب هو قطاع سيارات الإسعاف أمراً ممكناً. ولكنّ ما اكتشفته في الواقع متأخرةً هو أنّ عمل سيّارات الإسعاف ليس خدمة نقل وإنما خدمة طبية تخضع لتنظيمات ومسائل تعاقدية لم يسبق لها مواجهتها، وهكذا تكبدت الشركة في عام 1998 ضياعاً من قيمتها يبلغ 1.8 مليار دولار.

6- سوء التعامل مع التكنولوجيا

رغم أنّ تكنولوجيا المعلومات يمكن أن تؤدّي إلى إستراتيجيات رابحة، فإنّ قادة الشركات يقومون أحياناً بنفض أيديهم من التكنولوجيا نفضاً أخرق، ربما بسبب تدنّي تقديرهم لمستويات التقدّم التي يمكن أن تحققها التكنولوجيات المنافسة.

ارتكب هذه الغلطة شركة فيدرال إكسبريس عندما قدّمت خدمة زابميل zapmail عام 1984. تقوم الخدمة باستلام الوثائق في مكتب العميل، ثمّ ترسلها بالفاكس إلى مركز فيدراك إكسبريس الأقرب إلى نقطة التسليم، ليقوم بعدئذٍ ناقلٌ بريّ بإيصالها إلى العنوان المطلوب بأقلّ من ساعتين بعد استلامها.

توقّعت الشركة أنّ خدمة زابميل سوف تولّد عائداً سنوياً يبلغ 1.3 مليار دولار (أو ثلث إجمالي عائداتها) عام 1988. ولكن الذي حصل بدلاً من ذلك هو أنّ آلات الفاكس تطوّرت في نوعيتها وانخفضت في أسعارها بسرعةٍ هائلةٍ جعلت الزبائن غير محتاجين لخدمة زابميل من فيدرال إكسبريس، وهكذا تكبّدت خدمة الزابميل خسارة 700 مليون دولار خلال عامي تشغيلها وأغلقت عام 1986.

7- الاندماج consolidation

عندما تبلغ الصناعات طور النضج فإنّها تندمج، هذا مبدأ راسخ. ولكن التنفيذيين في بعض الأحيان يركّزون على الأصول التي سيحصلون عليها بشرائهم منافساً كبيراً ويقلّلون من شأن المشكلات التي يشترونها معها.

وصلت سلسلة مراكز التسوّق الكبرى Ames إلى إعلان الإفلاس مرتين بسبب المشكلات التي يحملها معه الاستحواذ على منافسٍ كبير. مؤسسو هذه السلسلة لم يكونوا أغراراً، لقد بدؤوا بفكرة مراكز تسوّق الخصم قبل سام والتون (مؤسّس ولمارت) بأربع سنوات، ولكن ذلك لم يشفع لهم، وسلسلة Ames التي كانت إحدى أكبر أربعة سلاسل لمراكز التسوّق في الولايات المتحدة انتهت إلى التصفية عام 2002.

هناك أساليب عديدة لاستخراج الاختلافات إلى العلن. فيمكن مثلاً تشجيع الناس على القيام بدور “محامي الشيطان ” بشكلٍ غير رسميّ (“محامي الشيطان ” devil’s advocate هو الشخص المتوجّه توجّهاً هجومياً للتفتيش عن نواقص الخطّة مثلما يتوجّه لاستخراج محاسنها أو أكثر)، كما يمكن تنفيذ الاستطلاعات دون أسماء لاستكشاف ما يفكر فيه الناس حقاً. وهناك أيضاً إنشاء قنوات إيصال الاعتراضات إلى الإدارة العليا ، أو يمكن إقامة “أسواق الاختبار الافتراضية prediction markets”.

• بالرغم من فوائدها، يبقى لكل الأساليب غير الرسمية نقاط ضعفها. فعلى سبيل المثال، “محامي النقيضين” المعيّن من قبل رئيس الشركة يمكن أن يضع لنفسه حداً حتّى لا يثير استياء الرئيس. فيعطي بذلك تأثيراً معاكساً للمطلوب.

في اجتماعاته بشأن حرب فيتنام كان الرئيس الأمريكيّ ليندون جونسون يشجّع “محاماة الشيطان ” ولكنّه كان يفعل ذلك لمجرّد طمأنة نفسه إلى أنّه يطّلع على كل وجهات النظر وعلى كل الخيارات. كان يريد أن يسمع ما يريد أن يسمع، وكان واضحاً لدى الجميع أن لا مكان لديه للاعتراضات الحقيقيّة.

• وتصميمُ المراجعة الواقعيّ المتقن عنصرٌ محوريٌ في تحقيق غرضها. فإن لم يتحقق ذلك فإنّ آليات الدفاع المؤسسية ستكون قويةً جداً، وعلى حدّ قول أحد التنفيذيين لنا “عندما يربح أحدهم نقاشاً فهذا يعني أنّ أحداً آخر قد خسر”.

إذاً أية إستراتيجية رئيسية ينبغي أن تخضع لمراجعة “محامي نقيضين” حقيقية رسمية تستخدم المناظرة المتعمّقة لطرح كل الافتراضات المهمّة والاعتراضات على الطاولة حيث يمكن النظر فيها بموضوعية.

2 Comments
  1. حبيب بالحاج says

    مقال رائع شكرا جزيلا على ما تقدمه من فائدة

  2. صلاح الفريح says

    فعلا … مقالات رائعة تحمس من كان به ذرة حب للمشاريع على الانطلاق بها دون خشية وخوف من الفشل والخسارة . . شكراجزيلا

Comments are closed.

%d