هل الضعف الأخير للدولار الأمريكي هو بداية لسقوط هيمنته الكبيرة؟
انخفضت العملة الأمريكية بنسبة 5٪ عن العام الماضي مقابل سلة من العملات وتراجعت بنسبة 10٪ تقريبًا منذ أعلى مستوياته التي سجلها في آذار/ مارس.
إن التفسيرات المعتادة لانخفاض أى عملة اقتصادية هي هبوط في نمو الناتج المحلي الإجمالي أو تفاقم العجز التجاري أو التضخم، لكن عندما تكون العملة الاقتصادية المتراجعة هي الدولار الأمريكي يبدأ النقاد حتمًا في التساؤل عما إذا كان الانخفاض يشير إلى نهاية النفوذ الدولي المهيمن لأمريكا أو على الأقل للدولار الأمريكي.
العوامل التي أثرت على هبوط الدولار
تضافرت العديد من العوامل المختلفة لخلق ضغوط هبوطية على العملة الأمريكية في الفترة الأخيرة الأمر الذى أثر سلبا على حساب تداول أى مستثمر، وجاءت التراجع في قيمة العملة الأمريكية نتيجة استمرار البنك الاحتياطي الفيدرالي في سياسته التحفيزية خاصة أسعار الفائدة المنخفضة التي تقترب من الصفر، وارتفاع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى التأثير الضار المستمر لوباء فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي، كما أن التحفيزات المالية من قبل الحكومة أدت إلى انخفاض قيمة الدولار أيضًا.
ونظرًا لأن البنك الاحتياطي قام بتخفيف السياسة النقدية وتعهد بالاستمرار بها لفترة طويلة استجابة للتوقعات الاقتصادية المتدهورة، فقد تراجع الدخل الناشئ من الأصول المالية التقليدية الآمنة المقومة بالدولار مثل سندات الحكومة الأمريكية، ومع تراجع جاذبية تلك الاستثمارات في الولايات المتحدة تغيرت وجهة المستثمرين للاستثمار في الأسواق الناشئة وأوروبا.
هناك أيضًا مؤشرات تشير إلى تقلص تدفقات رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، وذلك يدل على أن الاستثمار العقاري من قبل المستثمرين الأجانب تراجع مرة أخرى، ويعود ذلك جزئيًا إلى تبني الحكومة الأمريكية بقيادة ترامب إلى سياسات تتطلع إلى الداخل وتقييد حركة التجارة وإجراءات العقوبات.
أخيرًا، تمت معاقبة الدولار الأمريكي من خلال الانتخابات الرئاسية، وذلك بسبب حالة عدم اليقين المرتبطة بها، والتي أنشأتها الانتقادات اللاذعة والخلافات بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والمرشح الديمقراطي “جو بايدن”.
عام 2020 هو العاصفة المثالية
لقد تسببت جائحة فيروس كورونا في تكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة، حيث أدت إجراءات الإغلاق إلى توقف مفاجئ للاقتصاد مما نتج عنه تراجع كبير في معدلات الاستهلاك والإنتاج وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، بما أثر سلبًا على أسعار أغلب السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم.
تراجع مؤشر Baltic Dry الذي يقيس مقدار التجارة العالمية ومدى النشاط الاقتصادي العالمي بنسبة 6٪ بين شهري يناير ومايو، وهذا يعكس بالفعل انخفاض أسعار العديد من السلع الأساسية، وذلك يتضح بشكل رئيسي على مؤشر السلع CRBالذي يعكس القيمة الإجمالية لـ 19 سلعة عالمية بما في ذلك الذهب والألمنيوم والنفط والقهوة وغيرها.
على سبيل المثال، توقع البنك الدولي أن يتراجع معدل الطلب على النفط خلال عام 2020 بما يقدر بنحو 9.3 مليون برميل يوميًا من مستويات عام 2019 التي تبلغ 100 مليون برميل يوميًا، ونتيجة لأن النفط من السلع التي يتم تسعيرها بالدولار، فقد أدى ضعف الطلب على شراءه إلى تراجع الطلب على شراء الدولار أيضًا.
علاوة على ذلك، لم تكن السلطات الأمريكية حازمة بشكل قوى تجاه الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا، لذلك كانت الولايات المتحدة من أعلى دول العالم في معدل الإصابات ومعدل الوفيات، الأمر الذي نتج عنه تراجع في ثقة المستهلك وزاد من احتمالية حدوث ركود اقتصادي حاد وتراجع الانتعاش حتى عام 2022، وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الاقتصاد الأمريكي سيتقلص في نطاق 7.3٪ – 8.5٪ إذا استمرت الموجة الثانية من الوباء في التمدد.
جعلت العملة الأرخص (الدولار الأمريكي) تكلفة الواردات أكثر تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة، مما أدى إلى تفاقم الاقتصاد المحلي، ومع ذلك فقد أثرت أيضًا على العديد من المتغيرات الأخرى للاقتصاد العالمي، فمع ارتفاع قيمة العملات الأخرى عانت اقتصادات التصدير مثل البرازيل والهند كثيرًا، وبالتالي، أعاد المستثمرون الدوليون توجيه محافظهم نحو الاقتصادات المتقدمة الأخرى لا سيما الاقتصادات الأوروبية.
Comments are closed.