امرأة التريليون دولار

في صباح أحد الأيام الحارة في أواخر شهر يوليو/ تموز، تحضر ماري كالاهان إيردوز نفسها لتنام لمدة 3 ساعات فقط، قبل أن تجهز نفسها إلى إحدى المقابلات لاحقا ذلك اليوم. لم تجد مربية أطفالها الثلاثة 9، 7، و4 سنوات، يبدو أن المربية لم تتوقع عودة ماري المبكرة ذلك الصباح، واعتقدت أنها لن تعود قبل اليوم التالي، بعد أن عقدت اجتماعات مع أصحاب المليارات من روسيا والممولين من ألمانيا. فور وصولها إلى البيت تلقت بريدا إلكترونيا عاجلا،

يقول سطر الموضوع: المساعدة. وكان ذلك من أحد العملاء والذي كان على وشك شراء شركة، وفي حاجة إلى مساعدتها حول ماذا ستكون عليه أوضاع العملات في حال انتشار الأخبار حول الخطة الثانية لإنقاذ اليونان. فردت عليه بلطف جم: أنا هنا معك الآن لكنها أشارت إلى أن ذلك لن يكون باللقاء الهين. فلم يكن الوضع واضحا طوال هذا الأسبوع.

لم يكن ذلك بالوضع غير العادي بالنسبة للرئيس التنفيذي لمجموعة جي بي مورغان لإدارة الأصول والذي يشرف على 1.3 تريليون دولار. تدير ماري خامس أكبر مجموعة لإدارة الأصول في العالم، والتي تشمل ثاني أكبر صندوق للتحوط، وأبرز بنك خاص في البلاد والذي يخدم أكبر الأثرياء، إضافة إلى أكثر من 200 فئة استثمارية أخرى. في سنتها التقويمية الأولى على رأس عملها، ارتفعت الأرباح بنسبة %20 لتصل إلى 1.7 مليار دولار في عائدات تقدر بـ9 مليارات دولار.

منافسة ماري، 44 عاما، لشركات مثل بلاك روك، وبيمكو تجعل منها واحدة من أقوى النساء وأوسعهن نفوذا في عالم وول ستريت. ويبقى اسمها على القائمة المختصرة للمرشحين الرئيسيين لخلافة الرئيس التنفيذي لـجي بي مورغان تشيز آند كو. جيمي ديمون، جنبا إلى جنب مع رئيس خدمات الأوراق المالية مايكل كافانو، ورئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية ماثيو زاميس. تدعي ماري بأنها لا تتطلع إلى ذلك المنصب، وتستبعد هذه الطموحات، فتقول: إذا وضعت شخصا في منصب ما وهو يفكر، ولو للحظة واحدة، في المنصب القادم، فلابد وأنك قد اخترت الشخص الخطأ.

تتميز ماري بعملها الجاد في جي بي مورغان، وولائها الشديد لفريق العمل في المجموعة، إضافة إلى براعتها في إنشاء العلاقات الشخصية. سافرت في إحدى المرات في رحلة داخل البلاد من أجل مساعدة أحد العملاء المصاب بمرض باركنسون على فهم خيارات الاستثمار المختلفة. ماري ليست بالخصم الضعيف. فلقد وقفت ندا لأقسى الرجال في عالم المال، وأصحاب المليارات مثل هنري كرافيس، ودانيال أوتش، ودخلت معهم في مفاوضات من أجل تأمين الوصول الحصري لعملاء البنك الخاص التابع لـجي بي مورغان إلى أسهمهم الخاصة وصناديق التحوط، وتمكنت من الضغط للحصول على أفضل الشروط النادرة في وول ستريت.

يقول الشخص التنفيذي الثاني في جي بي مورغان، جيمس جيس ستالي: تحمل ماري تعاطفا كبيرا مع الناس، وهي كأي امرأة يمكن أن يساء فهمها أحيانا كنوع من الضعف. ويضيف ستالي الذي يدير وحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية في الشركة: إنها قادرة على المنافسة، وبإمكانها التغلب على أي رجل في منصب المدير عملت معه حتى الآن.

لابد وأنها حصلت على شيء من قوتها تلك خلال نشأتها في بيتها الإيرلندي الكاثوليكي مع أشقائها الـ3 في وينيكتا، إلينوي. لقد تعلمت الشؤون المالية من والدها، باتريك كالاهان، الذي يعمل في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية في شيكاغو، حيث كان يصطحبها معه إلى مكتبه أحيانا. النساء أيضا لعبن دورا كبيرا في حياة ماري خلال مرحلة الطفولة: درست ماري في مدرسة ثانوية كاثوليكية خاصة بالنساء، حيث برعت في مادة الرياضيات، في الوقت الذي حصلت فيه على مرتبة بارزة في مجال الفروسية على الصعيد الوطني.

ساعدتها جدتها إيزي على الحصول على وظيفة صيفية في شركة مالية وكانت ماري هي الوحيدة من بين قريناتها في المدرسة، التي تمكنت من الحصول على الدرجة الجامعية في مادة الرياضيات من جامعة جورج تاون، حيث كانت تحيط بها الشكوك حول سبب قضائها ساعات طويلة في المكتبة تحاول حل المعادلات الرياضية. يستعيد والدها باتريك كالاهان الذكريات قائلا: أتذكر قولها: أبي، يمكن أن يتأثر معدل درجاتي كلما خضت أكثر في هذا. فأقول لها: ماري، إن حصلت على الدرجة الجامعية في الرياضيات وذهبت إلى مقابلة، فلن يسألك أحد عن معدل درجاتك. وواصلت دراستها للحصول على درجة الماجستير من جامعة هارفارد، حيث التقت بزوجها فيليب إيردوز، وهو صاحب شركة رأسمال مخاطر من نيويورك.

في عام 1996، تركت ماري وظيفتها في برنامج تمويل الشركات في بانكرز ترست للالتحاق بالبنك الخاص التابع لـجي بي مورغان، والذي يدير المحافظ الاستثمارية ذات الدخل الثابت. ساعدت ماري على إحياء الأعمال التجارية المتعثرة، وذلك باستقطاب العملاء الذين قاموا لتوهم ببيع شركات بمنتجات سوق المال، والعمل بعدها على توسيع العلاقات. وعلى المستوى الداخلي، عملت ماري على تسوية العلاقات الجدلية ما بين التجار ومديري المحافظ المالية من خلال دمج أدوارهم. لكن، كانت هناك انتكاسة في عام 2005، عندما أصبحت ماري المرشح الرئيسي لإدارة البنك الخاص. وتساءل أحد المسؤولين المصرفيين في جي بي مورغان حول إن كان من الحكمة أن تتولى أم لطفلين في ذلك الوقت منصبا كبيرا كهذا. تم نقض تعليقه. قالت ماري: لا أتصور أن يقول أحدهم ذلك عن رجل ووالد لطفلين.

إنها امرأة نادرة في عالم وول ستريت الذي يهيمن عليه الرجال. يبدو أن جزءا من نجاحها يكمن في قضائها ساعات طويلة في عملها، ما يعد وضعا استثنائيا والذي لفت انتباه مسؤوليها. يقول أحد المرشدين في عملها السابق، والذي يتولى الآن منصب رئيس غلينميد ترست غوردون فاولر جي آر: يمكنك أن ترسل ملاحظة إلى ماري في أي وقت، وسوف تحصل على الرد من خلال جهاز الـبلاك بيري. تخلت ماري منذ وقت طويل عن فكرة تحقيق التوازن ما بين العمل وحياتها الخاصة، واختارت لنفسها ما تصفه بـ: التكامل ما بين الحياة والعمل. تقوم أحيانا بتوصيل أطفالها من المدرسة في المساء، لتعود بعدها إلى مكتبها. تقول ماري: ليس هناك بديل عن العمل الجاد. هناك القليل من الحظ خلال مسيرة الحياة، لكن ليس هناك أي بديل للعمل الجاد الحقيقي، أولا وآخرا.

لا تقبل ماري فكرة المعاملة الخاصة للنساء. فخلال المنتــدى الاقتصــادي العالــمي هذا العام، تحدثت ماري خلال فترة الغداء مع شيريل ساندبيرغ من مؤسسة فيس بوك، حول خيبة أملها بخصوص نظام الحصص الجديد على أساس الجنس الجديد. ثم ظهرت ماري على قناة سي إن بي سي يقف بجانبها جيمي ديمون وتقول: للأسف، الآن، عندما يأتي الناس إلى دافوس، سوف ينظرون إلى بعض النساء الموجودات في المؤتمر ويسألون: هل أنت هنا لأنك امرأة، أم أنت هنا بسبب إنجازاتك؟

لا شك في إنجازات ماري. فقد تمكن البنك الخاص تحت إدارتها أن يزيد قاعدة العملاء بنسبة %15 في السنة، وشهد نموا في الأصول يقدر بـ238 مليار دولار. وفي ذلك الحين، استغرب البعض كيف طلب ديمون من ماري قبل عامين بأن تصبح رئيسة وحدة إدارة الأصول والانضمام إلى لجنة إدارة البنك كجزء من عملية بث الروح في الهيئة التنفيذية. كان ذلك توقيت جيد، فقد عملت الوحدة على تحقيق ارتفاع في معدل العائد على حقوق المساهمين دون تقييد رأس مال البنك الضئيل بشكل متزايد. واجتذبت المجموعة أيضا تدفقا نقديا جديدا من العملاء، الذين أعجبوا بأسلوب جي بي مورغان في التعامل مع أزمة الائتمان.

تتطلع ماري إلى التوسع دوليا، وتوسيع صندوق التحوط وعمليات الأسهم الخاصة. في أحد الأيام الأولى لها في عملها، وجدت طريقة لتحقيق الهدفين. عملت على حث غلين دوبين، والذي يـديــــر أكبـر صناديق التحوط في مجموعة جي بي مورغان لإدارة الأصول، هايــبـــريـــدج لإدارة رأس المـــال، من أجل شراء غافي انفستمينتوس الشركة الاستثمارية البرازيلية التي تقدر بـ7.9 مليار دولار، ويديرها رئيس البنك المركزي البرازيلي السابق آرمينو فراغا.

لم يكن فراغا يتطلع إلى أي تحالف أعمال، لكن تعاون دوبين وماري على إقناعه ببيع حصة الأغلبية من خلال صفقة استغرقت سنة من المفاوضات والاستكمال. يقول فراغا: شعورنا بإمكانية ربط أعمالنا مع جي بي مورغان فقط من خلال ماري، التي تتميز بالبساطة والموضوعية في معالجة الأمور، هو ما أسهم في تحقيق تلك الصفقة. إنها تفكر بشكل كبير، وتعمل على إنجاز الأمور، وهذا مزيج لطيف.

في الوقت الذي تواصل فيها الأسواق العالمية التقلبات، يبدو من الحكمة أن تعمل مجموعة ماري الاستثمارية على كبح حقوق المساهمين مبكرا هذا العام، والمراهنة بدل ذلك على فئة الاستثمار والائتمانات ذات العائد المرتفع.

تتطلع ماري إلى دمج الصناديق الجديدة والتي تركز على الأصول الأوروبية المتعثرة والصناديق الناشئة في الصين. تم تحقيق التدفق المالي فيما يتعلق بالأعمال التجارية، حيث سجل العام الماضي رقما قياسيا يقدر بـ69 مليار دولار، إضافة إلى تحقيق 46 مليار دولار حتى الآن هذا العام. تقول ماري: إنها مجرد محاولة دون توقف لجمع هذه الأشياء معا، وأصعب ما في الأمر هو عدم وجود خارطة للطريق. هذا شيء مبهج على نحو غريب، لأن أمورا كثيرة تحدث بشكل سريع جدا.

فوربس

Comments are closed.

%d