كيف يمكن منع كارثة التضخم؟

 

يعتقد أغلب الناس أن التضخم هو ارتفاع الأسعار، لكن المدرسة النمساوية في الاقتصاد ترى التضخم أنه زيادة المعروض من النقود التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وكل الفوضى التي خلفتها. وهم يرون أن السياسة الاقتصادية يجب أن تركز على كيفية منع فترات التوسع التضخمية هذه من الحدوث في المقام الأول.

أحد السبل الممكنة لذلك هو منع الحكومات من صك النقود — أو “البدائل المالية” من العملات الورقية والمعدنية التي نستخدمها في التجارة — دون حدود. وبإمكاننا ربط كمية العملات الورقية والمعدنية، أو الأشياء الأخرى التي نستخدمها في التبادل، بالأسعار مثلًا، وبهذا إذا ارتفعت الأسعار يتعين على الحكومة تخفيض المعروض النقدي الذي تخلقه. بيد أن هذه ليست بمهمة سهلة؛ لأنه لا وجود (كما يذكرنا النمساويون) لما يسمى بمستوى الأسعار، فالأسعار المختلفة تتقلب صعودًا وهبوطًا طوال الوقت. وحركة أي “مؤشر للأسعار” تعتمد على “سلة” السلع المختلفة التي يتابعها. سيثير الخيار الجدل لا محالة. وإذا تم اختيار السلة الخطأ، فمن الممكن حدوث التضخم دون أن نلحظ ذلك.

حل آخر يتمثل في منع الحكومات من إصدار النقود الإلزامية على نحو مطلق. فميزس، مثلًا، يقول إن الواجب الأول للسلطات النقدية هو التأكيد على “العملات” التي يستخدمها الناس باختيارهم ودعمها. في الماضي حظي الذهب والفضة بثقة الناس كأشكال عملية يعتمد عليها من النقد، لكن ليس بالضرورة أن تكون النقود من هذه الأشياء، أو أن تكون من المعدن من الأساس. وعلى السياسة الاقتصادية أن تهدف إلىدعم أي مما يقبل به الناس كوسيط للتبادل.

بالطبع قد يكون التحول نحو عملة أخرى، كالذهب، خطوة صعبة ومحل خلاف. ستكون هناك، بطبيعة الحال، زيادة مهولة في أسعار الذهب بينما يبدأ الناس في طلبه، ليس فقط لأغراض الزينة أو الاستخدام التجاري، بل بفضل قيمته كوسيط للتبادل أيضًا.

لكن مما يثير الدهشة أن هناك قدرًا قليلًا من الذهب في العالم (حوالي ثلث حجم نصب واشنطن التذكاري، حسب أحد التقديرات)، بينما هناك مليارات المعاملات التجارية تدور طيلة الوقت. سيحاج الكثيرون بأن النكوص إلى استخدام الذهب كعملة لن يكون فكرة عملية.

خرج هايك باقتراح بديل، وهو السماح بالمنافسة بين العملات. تحتكر حكومات كثيرة نقودها الإلزامية: فهي تأمر باستخدامها لتسوية أي ديون، وبعدم استخدام أي عملة أخرى، أو قد لا يعترف القانون بالعملات الأخرى، وهو ما يعرض من يتاجرون أو يقرضون بهذه العملات للخطر إذا لم يرد العملاء أو المقترضون ما اقترضوه. لكن إذا تمكن الناس من استخدام العملة التي يختارونها — بحيث يستطيع شخص ما في بريطانيا استخدام الدولارات أو الروبلات، مثلًا، بينما يستطيع شخص في أمريكا استخدام الين أو اليورو، أو حتى عملة جديدة تصدرها وكالة خاصة — فسيميل الناس وقتها لاستخدام أكثر عملة يرون أنها تحتفظ بقيمتها؛ نظرًا لأن العملة المستقرة ستجعل الحسابات التجارية أسهل بكثير، خاصة حين يتدخل “الوقت” في كل عملية حساب. ستضغط المنافسة بين العملات على الحكومات كي تقاوم السياسات المؤدية إلى التضخم، ومن ثم توفر على نفسها الحرج الناجم عن رفض الناس لعملتها والتحول لاستخدام عملة دولة أخرى.

إن السماح للناس باختيار العملة يمكن أن ينجح بالفعل، وقد شهدت دول عديدة ذات معدلات تضخم مرتفعة في عملاتها التجار وهم يتبنون الدولار أو اليورو في معاملاتهم التجارية بدلًا من العملة المحلية. ومع هذا فالحكومات تعارض التخلي عن السيطرة التي تمدها بها الاحتكارات النقدية.

Comments are closed.

%d