من وحي طفولتي
صغيراً كنت اجوب الشوارع وحدي اتأمل الناس في اسلوب عيشهم … كلامهم … تصرفهم … إنفعالاتهم .. لم أكن افهم جيدا تلك المعاني العميقة ولكن صمت بداخلي كان يسجل كل هذه الأحاسيس حتى يأتي يوما وتتفسر كلها امامي من جديد … ذاك الصمت له صوت رهيب !!
كانت لدينا شلة في الحارة كباقي حارات مدينة حلب … وكنت الأكبر سناً بين أولاد الشلة … هواياتنا عديدة جداً وتحمل معاني عظيمة ولكن لصغر سننا حينها لم نكن ندرك هذه المعاني جيداً … وان لم نجد هواية نتسلى بها … نخترع واحدة !! … وكل فترة نغير اللعبة الرسمية في الحارة حتى لا نصاب بالملل وتنقلب إلى مشاجرة بين البعض … لكن هذا لا يعني اننا لم نكن نتشاجر .. كانت لدينا المعارك الصغيرة هنا وهناك ونستخدم فيها جميع انواع الاسلحة البيضاء والسوداء ولكن بسرعة كبيرة تتم المصالحة وتعود المياه لمجاريها … على عكس حالنا هذه الأيام … فالكثير بات يحمل كرهاً او حقداً دفيناً في قلبه يظهر في أقرب مناسبة !!
كانت اموالنا بسيطة وكذلك مصاريفنا … حيث بمبلغ لا يتجاوز الخمسين ليرة تعيش لمدة اسبوع بنعيم كامل وتحصل على بوظة يوميا وخاصة بعد العصر عندما تنتهي من مشاهدة فلمك الكرتوني المفضل … وبالحديث عن افلام الكرتون … كانت لها متعة خاصة أيضا فالبساطة واضحة جدا فيها والقيم الانسانية كذلك … حيث انك لن تجد أي شيء يدل على العنف ولن تجد أسلحة ومخلوقات غريبة وانظمة تدمير جديدة ووحوش كاسرة كما هي حال أفلام الكرون هذه الأيام … كنا نتابع الكوميديا والدراما وحتى التشويق والإثارة ولكن بصور كرتونية لم ننتبه لها إلا عندما كبرنا وكبرت أحلامنا ومطلتباتنا …
نعود لشلتنا … فكنا نجوب الشوارع والحارات والمناطق بحثاً عن الإثارة ولا نخاف من طريق مجهول بل تلك دعوة مجانية لاستكشاف منطقة لم ندخلها من قبل وفعلا كنا نصل لأقصى المدينة ونعود ومعظم ذلك يكون مشياً على الاقدام الصغيرة الطفولية … ولا أخفيكم ان تلك المتعة لازلت متعلقاً بها وحتى في عمري هذا حيث غالبا ما ابحث عن منطقة جديدة لم ادخل اليها كي استكشفها جيدا فإن وجدتها كما أرغب تماماً دونتها في ذاكرتي لاعود مرة آخرى
أما في أيامنا هذه … انقلبت حياتنا رأسا على عقب …
حيث لم نعد نتأمل الناس وتصرفاتهم إذ اصبح في كل بيت سيارة او اثنتان على الاقل وبقي لنا الزحام والدخان ، كذلك الشلة فقد انقرضت وتشتت أعضائها … منهم من يخدم الوطن في صفوف الجيش والقوات المسلحة وقد تغير شكله من لفحة الشمس ومنهم من بات يعمل في دكان ابيه ولا يمر على الحارة سوى عند النوم والاستيقاظ … بعضاً منهم أكمل الدراسة … لكنه لم تعد الحارة تمثل إليه سوى ممر من الشارع العام إلى المنزل حتى انه لم يعد يرمي السلام على صاحب المخزن – الوحيد في الحارة – الذي طالما كان يأخذ بوظته باردة من عنده .
وايضاً مصاريفنا وأموالنا أصبحت مرتفعة جدا وخاصة مع دخول تطورات الحياة فعلينا دفع الضريبة بدون شك من فواتير الهاتف المحمول الذي كان معجزة وقتها … حيث اللاسلكي لم يكن معروفا ومقتصراً فقط على رجال المخابرات وعناصر قوى الأمن ناهيك عن الصحون اللاقطة الممنوعة
والخمسين ليرة اليوم لم تعد تكفي لمشاوير الطريق بين البيت والكلية حتى بالسرفيس ، وأبسط وجبة في الكافتيريا تكلفك هذا المبلغ ناهيك عن بطاقات الانترنت المسبقة الدفع والمفاضلة بين جميع المزدوات للحصول على أفضل عرض ، ما عدى انك ستخرج بين الحين والآخر مع اصدقائك لمكان ما وهذا كله ينبغي عليك ان تدفع
فماذا تفعل خمسين تلك الأيام مع هذه الأيام ؟ يالله كم كنا فرحين بأيامنا رغم بساطتها وبرائتها ..
حتى ألعاب أطفال هذا الجيل أصبحت مختلفة تماماً عن زماننا مع أنه ليس ببعيد حيث أصبحت القيم المزروعة في عقول أطفال هذا الوقت مبنية على العنف والتدمير من خلال ما يحتك به من أدوات بداية من أفلام الكرتون التي أصبحت تعتمد على الديجتال والامور المعقدة كالمخلوقات الآلية الضخمة واسلحة التدمير مروراً بالبوكيمون وحتى نصل للديجيمون … أين مغامرات عصام .. أين رامي الصياد الصغير … أين كابتن ماجد وحلمه … أين هايدي .. سالي … ساندي بيل … صاحب الظل الطويل … روبن هود … ماوكلي … المحقق وحيد .. والقائمة تطول وتطول ….
لطالما كنا نعشق أفلام الكرتون لأنها كانت المتنفس الوحيد خاصة بعد تمضية نهار طويل واحداث كثيرة .. حيث لم يكن هناك حتى أتاري فمابالك من كمبيوتر وألعاب .. أذكر جيداً أول جهاز أتاري حصلت عليه عندما وصلت الصف السابع وكانت فرحتي لا تعوض لأننا لم نكن نعلم أعظم مما حصلنا عليه .. أما طفل اليوم لو قدمت له هدية عبارة عن جهاز ألعاب مع شريط واحد وطبعا بدون بطاقة ذاكرة … بدون تردد سيرميها في وجهك ويصرخ عالياً بانه يريد علبة السيديات حتى ينزل لعبته المفضلة ويشغل ملفات الكراك والتراينرز …
لاشك أطفال او لنسميهم النشء الجديد أصبحوا أذكى واقوى على التفكير من أولئك على زماننا وبنفس العمر وطبعا يعزى السبب لتقدم وتطور وتعقد الحياة بمفاهيمها … أي طفل يستطيع التعلم على كيفية الانتقال بين قنوات الستالايت والتحكم بأقماره العشرة بدون أية مشكلة بينما لو اعطيت نفس جهاز التحكم لطفل بنفس العمر لكن قبل خمس عشرة سنة بالتأكيد سيتربك ويشحب وجهه بأنك قدمت له أحجية مستحيلة الحل وجهاز مكون من عشرين زراً ملونين وكل زر يؤدي عدة وظائف …
الحديث طويل جداً ولا ينتهي عند حد لكن سأكتفي بهذا القدر حتى لا اصيبكم بالملل فأعلم جيداً الوقت الثمين الذي اهدرتموه في قراءة هذه السطور فشكراً .
جميل جداً، لامستني هذه التدوينة واخترقتني من كل الأطراف..
اكتشفت من صفحتك الشخصية أننا بذات العمر تماماً ربما هذا هو السبب الرئيسي!
ذكرتني بالأتاري أم الشريط، وكيف كنا نتخانق عليها.. وذكرتني كيف كنا نلعب نلعب عنجد، ننط، نفوت بالخزاين وتحت النخوت، نركض لنتعب..
أما هلأ لما بفوت لعند تيتة بشوف ولاد خالي بكتشف الفروق بين جيلهم وبين جيلنا نحنا
بتلاقي 3 مثلا كل واحد حامل لاب توب وماشي فيه، وواحد قاعد ع كمبيوتر جدو، تنين حاملين بي اس بي، وتنين عم يلعبوا ع الوي ع التلفزيون !!!!
نحنا كان ما يضل مخدة ع مخدة ولا حيط على حيط لما كنا نروح لعند تيتة!
أهلاً فتوشة .. مرورك هنا أسعدني جداً
كان أتاري ابو الشريط معجزة بزمانه ونقضي عليه ساعات ساعات بدون ما نشعر ونختم لعبة ماريو ونرجع نعيدها ونكتشف طرق ومتاهات جديدة ..
بتذكر كيف كنت ألعب ضد بابا وخسروا وخليه يجبلنا أكلات كشرط جزائي على اللي بيخسر ، كيف كنا نتخبى تحت التخت ونخبي العابنا البسيطة سواء سيارة صغيرة ع الدفش ولا مجسم لاحد الشخصيات .. بتذكر كيف كنا نجتمع حول هالجهاز ونمضي اوقات كتير حلوة بالضحك واللعب
اما هلء ومتل ما قلتي لابتوب و PSP و IPOD و موبايلات آخر طرز وما عم يعجبون وكل فترة لازم يغير لأنو طلع أحدث …
سعيد جدا بتعليقك على مدونتي المتواضعة واتمنى منك زيارة أخرى .. إلى ذلك الحين
بتعرف يمكن جيلنا محظوظ … يعني البراءة براءة …
بس بتوقع انو لو الطفل اتربى انو ينط ويفكر ويلعب العاب عنجد مالها علاقة بالتكنولوجيا ..ما رح يلتفت لمتل هيك امور وبيجوز يمل منها… لانو متل ما عودوه اهلو بيتعود…
بشكل عام انا بعتبر انو هالجيل مظلوم لانو هو مرحلة بين جيلنا اللي كان في عندو طفولة كلها لعب حيوي وواقعي وبين جيل جاية رج يدمج الطفولة بالتكنولوجيا بطريقة مميزة .. لانو كل مالها الالعاب عم تتقدم وتصير افتراضية يعني ازا نط الولد على الارض بينط على الشاشة وهالقصص …
شكراً ذكرتنا بأيام حلوة : ) : )
farah m
======
اهلا بك فرح 🙂
بالفعل انا بشوف جيلنا اكتر شي محظوظ لانو اللي قبلنا ما نعموا باللي نعمنا فيه والجيل الحالي افتقد لكتير نعم كانت على زماننا .. مثلا الالعاب الاجتماعية والجماعية بنفس الوقت بينما هالزمن كل واحد بينفرد بكمبيوترو وبيلعب كونتر وغيرها وان كملت كملت بيعملوا شبكة وبيلعبوها …
نورتي المدونة 🙂
بما أنو أهم قلمين بتابعون بهالوقت علقوا على هالتدوينة اللطيفة فبيحقلي علق أكيد أجمل لحظة وصلتلا وأنا عم أقرأ التدوينة هي اللحظة يلي ذكرت فيها أسماء برامج الأطفال يلي كنا نتابعها فعلاً صاحب الظل الطويل وكابتن ماجد شي روعة الجيل يلي إجا بعدنا جيل مظلوم من هالناحية وحرام إنون مايعرفوا المعاني الحلوة لكل شي قديم بس بتصور إذا بتصير شي حملة على قنوات برامج الأطفال وتطالبون بهي البرامج يمكن فينا نرجع شي والقيم هي القيم مابتتغير مابتصور إنو أطفال هالجيل مارح يحبو الكابتن ماجد أو رابح وروبن هود أسفة طولت بس لو بدي علق على تفصيلة كان ماتركت مكان رجعتني لزمن حلو كل يوم عم اشتقلو
… كان الزمن الجميل كما يقال
حتى بالكرتون والأخلاق والقيم … كان زمن جميل
اشكر تواجدك وتعليقك لميس 🙂
سلام
ليش ما تضيف مدونتك عال syplanet.com ?
اهلا امنية سلامات
انا ضفتها عندهم بس يبدو لازم يعملو موافقة لحتى تطلع بموقعهم او بشرط اني حط الكود الخاص بهم بمدونتي ، ولحد الان ما اكتشفت وين بالضبط بدي حط الكود ليطلع بشكل نظامي وهل ممكن هالشي مع المدونات المجانية
بحكم خبرتكم ببرمجية الووردبريس ممكن تساعدوني اكتر
لا مافي كود ضيفوه ولا هك يحزنون.
يمكن لازم تبعت ايميل انو موقعك ما عم يتفعل عالسيريانبلانيت.
عالأغلب الشب المسؤول مشغول ليفعل الطلبات.
ولايهمك شغلة وقت بس
اوك امنية شكرا الك …
مدونتي ادرجتها بموقعهم …والان تظهر كل التدوينات الجديدة عندهم لكن هناك مشكلة صغيرة راسلتهم لحلها
على أية حال اشكر متابعتك الموضوع