الإدارة على طريقة الساموراي اليابانية

رمز الساموراي

أراد تسوكاهارا بوكودين -أحد رجال الساموراي العظام في تاريخ اليابان- اختبار أبنائه بعد أن كبروا وصارو رجالاً ليعرف نتيجة تدريبه لهم على مدى سنوات ليعرف من هو الجدير بحمل الشرف العظيم سيف الساموراي

وضع بوكودين وسادةً فوق عمود الستارة على باب غرفته بحيث تقع الوسادة على الداخل إلى الغرفة لدى احتكاكه بالستارة. ثم بدأ باختبار ابنه الأكبر فاستدعاه إليه.

هبّ الشاب إلى أبيه وقبل دخوله الغرفة لاحظ الوسادة فمدّ يده وأمسكها ثم دخل وتكلّم مع أبيه ثمّ ركّزها في موضعها وهو يخرج. وبعد ذلك استدعي الابن الأوسط.

أسرع الشاب ملبياً ودفع الستارة وهو داخل.. وفي اللحظة ذاتها شعر بوقوع الوسادة فمد يديه الاثنتين وأمسكها وأعادها إلى موضعها.
وعندما استدعي الابن الأصغر ركض إلى أبيه مستعجلاً. دخل الغرفة ساحباً الستارة فوقعت الوسادة وكادت أن تلامس ظهره، لكنّه سحب سيفه كالبرق وقسم الوسادة نصفين قبل أن تلمس الأرض..

انتهى الاختبار. وأعلن بوكودين حكمه:

– يستحق الابن الأكبر عن جدارة الانضمام إلى حملة سيف الساموراي الحقيقيّين، وقدّم له سيفاً.
– ينبغي على الابن الأوسط متابعة تدريبه بمزيد من الوعي والاجتهاد.
– والابن الأصغر! يا حسرةً على أيام التدريب والإرشاد.. إنّه عارٌ على العائلة العريقة!

تبيّن تلك الحكاية أن حمل السيف كما ينبغي هو أمر أكبر بكثير من إجادة تقنيات ذلك الفن. وينطبق القول نفسه على فن الإدارة.

تعرف كيف تدير!.. فهل تعرف كيف لا تدير؟

كثيراً ما نرى في الحياة العملية مشهد ذلك المدير المشغول دائماً وأبداً، والهادر بالنشاط والحركة دائماً وأبداً، الذي يهجم على المشكلات هجوماً لا يعرف الضعف أو التردّد ولا يجدُ متعةً أكبر من متعة مواجهة المشكلات والتغلّب عليها. مثل الابن الأصغر لبوكودين الذي يملؤه بالسرور والفخر منظر الريش المتطاير من الوسادة التي مزّقها سيفه، ولكن كل هذه ليست بالإدارة

لماذا؟ لأن فن الإدارة الحقيقيّ لا علاقة له بحل المشكلات، على العكس فهو يعمل على منع المشكلات. لا شأن له بالخروج من المآزق، إنّه فن الاستبصار وعدم الوقوع في المآزق من خلال القيام الصحيح بوظائف التخطيط والتنظيم والسيطرة.

كلما ازداد عدد المشكلات التي يتورّط المدير في حلّها أو ينشغل بها كلّما ازداد البعد بينه وبين ممارسة الإدارة الحقيقيّة وازدادت الدلالة وضوحاً على اختلال أو انعدام قيامه بالوظائف الحقيقيّة المفترض قيامه بها من تخطيط وتنظيم وسيطرة.

إنّ الجدير بلقب المدير –شأنه شأن الابن الأكبر لبوكودين- يتجنّب التورّط في المشكلات أصلاً ويتفادى استخدام ما يجيد من أدوات وأساليب الإدارة من خلال تفهّم المواقف والأحوال وإدارتها بدلاً من مواجهة وإدارة المشكلات.

إنّه يعتمد على تلك الميزة الفريدة من معرفة واستباق العوامل المكوّنة للأوضاع الحاسمة، إنّه يصحّح الأوضاع ولا يصحّح المشكلات الناجمة عنها. بهذه المعرفة يضع المدير كل شخص وكل شيء في موضعه الصحيح في التوقيت الصحيح فلا يحتاج إلى أن يدير شيئاً.

إن تحقيق رقى الإنتصارات لدى الفرسان الحقيقيّين، هو النصر دون قتال وهزيمة العدو دون سلّ السيوف، فإنّ المدير الحقيقيّ يعرف كيف يدير دون أن يدير.
استخدام السيف ليس غاية. تعلّم كيف تحمل سيف الإدارة حملاً يغنيك عن استخدامه.
الابن الأصغر يهرب من معلّمه انتبهوا! إنّه يختبئ في شركاتكم!

في كثير من الشركات نرى نماذج عديدة من المديرين الذين يعملون بأسلوب الابن الأصغر في قصّتنا. إنّهم يعتبرون منجزاتهم في حل المشكلات اليومية مآثر إدارية رفيعة يستحقون عليها الثناء والمكافأة، ويجهلون أو يتجاهلون أنّهم يستحقون اللوم أو العقاب على تقصيرهم في أداء المطلوب الحقيقيّ منهم.

ومن صور هذه الممارسات:

– المدير المالي الذي ينفّذ يومياً تقريراً عن “تدفّق السيولة” مسلّطاً الأضواء على حسابات العملاء المتأخّرة المستحقة للشركة، ومتملّصاً من الخوض في معالجة الحسابات المتأخّرة المستحقة على الشركة.
– مدير الإنتاج الذي لا يبلغ قصارى اهتمامه وجهده سوى الجري لمواكبة جداول تسليم الكمّيات اليومية.
– مدير شؤون الموظفين ( مدير الموارد البشرية ) الذي لا يعرف شيئاً في حياته العملية غير مباريات التحدّي والمكاسرة التي لا تنتهي مع ممثّلي العمال والتي يعلّق عليها لافتة “إدارة علاقات عمّالية”
– مدير المبيعات الذي تجده في الأيام الأخيرة لكل شهر يكافح كفاحاً مستميتاً لتحقيق حصص المبيعات المقررة بأي طريقة.

إنّ “المديرين” المشغولين شغلاً دائماً من النمط المذكور آنفاً لا يمارسون الإدارة. من أين لهم ممارسة الإدارة وأنت لا تكادُ تجدُ لديهم وقتاً للتخطيط والتنظيم والسيطرة وللتفكير؟
مثل الابن الأصغر إنّهم يستمتعون بتمزيق الوسائد التي تقع عليهم. وسوف يبقون عالقين إلى الأبد في هذه الدوّامة الجنونية من مجابهة المشكلات وتمزيقها إن لم يبدؤوا في ممارسة الإدارة حقاً ومنع وقوع المشكلات على رؤوسهم.

هل يقود شركتك مديرون أم لاعبو خفّة؟

لسوء الحظ، فإن كثيراً ممن يحملون لقب مدير، ويقبضون أجر مدير لا تتكشّف مظاهرهم في النهاية إلاّ عن مخضرمين في فنون الخفّة والتملّص من المآزق عندما تقع المشكلات ويعلو الماء في السفينة المكافحة بين الأمواج.

لا يتقن هؤلاء المديرون الاسميّون إلاّ حيلةً واحدة يتعلّمونها من خلال التكرار: حيلة التملّص من المسؤولية. وفي تطبيق حركة الخفة المشهورة هذه تلاحظ طريقتان:

– الطريقة الأولى هي تواري “المدير” عن الأنظار بسبب مشكلةٍ وقعت بسببه. ويُلجأ إلى هذه الطريقة عندما يتوفّر لدى اللاعب وقتٌ كافٍ للاختباء وصرف الأنظار إلى أحدٍ آخر.

– والطريقة الثانية هي المسارعة بتوجيه الاتهام إلى أيّ أحد وتلفيق ما يحمّله المسؤولية، ويلجأ إليها اللاعب عندما ترفع الستائر عن الحقائق فجأةً ولا يتوفر لديه وقتٌ كافٍ لتحضير مناورة الاختباء.

كثيرٌ من المديرين لا تجد لديهم مهارةً سوى مهارة النجاة بجلودهم من المآزق التي تنجم في معظم الأحيان عن تصرّفاتهم وقراراتهم. ولسوء الحظ فإن هذه النوعية من المديرين الاسميين تزداد يوماً بعد يوم.

4 Comments
  1. مجنون كمبيوتر says

    مقال مميز اخي محمد في فنون الاداره
    شكرا لك 🙂

  2. ديانا عيد says

    مقال اكثر من رائع…و اكثر من مفيد….عسى ان يزداد عدد من يفهم فن الإدارة

  3. منتديات هدى الله says

    موضوع رائع جزاك الله خيرا

  4. اياد مرهج says

    سر الادارة سر النضوج الفكري .. والمرونة العقلية .. والتنبؤات للاحداث …. هاد قانون يطبق بنسبة 0.0001% بتعيين المدراء ببلدنا ولكن بمحض الصدفة

Comments are closed.

%d