مشوار حياة

في البدء كانت الصرخة

ظلام دامس من حولي يلغي الحياة من كل شيء .. اشيح بطرف عيني ليدخل النور .. ينعش قلبي ويفتح الستارة عنه .. لأدرك للمرة الأولى أن للحياة ألوان .. كل شيء يميزه لونه

لكن مهلاً ! .. مع هذا النور والألوان تكتشف أن كل شيء من حولك غريب .. الوجوه .. الأماكن .. الهواء .. الماء .. صوت العصافير ..

رائحة الزهور .. يبدو أن الأمر ليس سهلاً كما توقعت .. احرك يدي فألمس شيئاً ناعماً أشعر بحنانه يخترقني … تطبع قبلة ناعمة على رأسي وأغط في نوم عميق …

هذا ما يدعونه العمر .. وريقات أيام تتكرر وتسقط .. تبدأ صغيرة خضراء يانعة ثم يستشري فيها الموت حتى يسيطر عليها ويهزمها فتسقط للأبد .. يابسة صامتة ..

ومع الإدراك تكشف الحياة عن وجهها ويزول القناع .. تلك الحقيقة التي تخبرك عن معنى العمر والحياة .. تطفئ شمعتك الأولى ومعها تسقط وريقة .. ومع كل سقوط هناك صعود .. ومع هذا الصعود نتعلم أكثر وتزيد متطلباتنا وكذلك مسؤولياتنا … كم جميل أن تبقى عند خط البداية .. لاسقوط ولا صعود ولا مسؤوليات .. العالم كله في علبة .. والعلبة بين يدي أداعبها كما أشاء …

تزداد ألفة وجوه وتدخل حياتك بلا استئذان لتضع بصمتها في عمرك وكذلك تنثر لوناً عليه يميزه .. وأيضاً يدخل من يرفع الأسوار ويحبسك خلف القضبان … تستمتع بسجنك هذا وتمضي محكوميتك بصمت …

وسط صحراء حارة جافة يكون سلوانك أحدهم .. يأتي من بعيد .. لا تتضح معالمه حتى المتر الأخير .. ليخطفك من هذا الموت لحياة أخرى .. حياة أقل ماتوصف بأنها سعيدة .. كذلك يضع بصمته ويلتصق بك فلا تستطيع لمفارقته .. تتحولان لجسدين في روح واحدة و

يرص مسيرة عمره بجوارك وتقلبان معاً صفحات الأيام وهكذا تكون هي وأنت سبب في وجود آخرين وحياة جديدة .. ترسمان خطوط الحياة معاً وتبني قصراً من فرح .. السعادة جدرانه والمحبة والتفاهم قواعده .. يقف شامخاً مهما عاتته الريح ولطمه الزمن بقبضة من حديد

أربع زجاجات تصف الحياة .. الأولى رضاعة تحوي حليب .. وبعدها مشروب غازي يرفع من وتيرة الأيام .. ثم مشروب سحري ينسيك الهموم .. وأخيراً على سرير أبيض وبجوارك سائل النجاة … هكذا تختصر العمر بأربع زجاجات
هنا تنتهي الرحلة وينقضي المشوار الذي لن يتكرر مرة أخرى ومعه تبدأ رحلة جديدة ومشوار آخر لاينتهي … هنا تعود الروح لتلفظ توأمها بعيداً رغماً عنها بعد عناق دام طويلاً .. تعقد هدنة مع الصمت ويصبح حليفاً أبدي .. يعود الظلام ليخيم من جديد وينزع الألوان من الحياة .. تبدأ رحلة طرد الإدراك حتى تعود وترى من جديد ذاك الضوء القادم من بعيد .. تضع رأسك بهدوء وترقد بسلام ..

ومع الصمت … كانت النهاية

7/نيسان/2009
مضى اثنان وعشرون عاماً ودخلت الثالث والعشرون

10 Comments
  1. علاء حلبي says

    عندما تعرفت عليك عرفت انك مختلف ..
    وبعد ايام من لقائنا الأول تأكدت من ذلك وأيقنته
    عرفت بانك شاعر لا تكتب الشعر إنما تتذوقه .. أديب بأخلاقك .. حياتك حكاية كتبتها بليال من السهر والجد والتعب
    قد تكون نهايتك صمتاً .. ولكنها ليست نقطة
    هي بداية .. مقدمة لحياة أبدية في نعيم .. وبصمة إنسان عرف الحياة ورفض إلا أن يكون
    دمت بخير صديقي العزيز
    ودام ذالك القلب يخفق بالخير والسعادة

  2. بوركت أخي في وصفك هذا يبدو أنك تستشعر فعلا قيمة هذه الحياة
    أعجبتني كلماتك إنشاء الله تكبر في طاعة الله وأتمنى لك حياة سعيدة

  3. إنسان says

    كل عام وأنت بألف خير …

    العمر في سبيل هدف, أو رسالة … هو ما احسبه عمر وما بقي هو (ضياع وقت) …
    أتمنى لك حياةً جميلة 🙂

  4. Adham says

    تعبير مميز جداً ياعزيزي , أما الصورة فهي فعلاً معبّرة عن تلك المراحل التي نعيشها 🙁 ,, لك كل التحية على هذا النظم الرائع .. 🙂

    أدهم

  5. ناسداك says

    علاء :: عزيزي .. إطرائك هذا يضعني في موقف محرج جداً ويجعنلي لا أفكر البتة بالنظر للخلف .. يحملني مسؤولية كبيرة .. دمت ودام قلمك .. الحاد

    خالد :: وكم حياة سنعيش حتى لا نستشعر قيمتها ؟ سواء اعجبتنا ام لا سنعيشها .. فلم النكد ؟

    إنسان :: وانت بألف خير انس .. شكرا لامنياتك الطيبة

    ادهم : وكل التحية لقرائتك مشوار حياتي .. اهلا بك دوماً

  6. khalidoverline says

    احسست بالتشائم ما بين سطور مدونتك

    والله بدك نظارة وردية ترى فيها الحيا بشكل ملون اكثر

    شكرا على المدونة الحلوة و المؤثرة 😀

    سلام :]

  7. ناسداك says

    مع كل إشراقة صباح امسح غبار الأمس لتبدو الصورة وردية نقية
    مع بعد قهوة الصباح يبدأ الغبار بالتجمع

    وما أن اضع قدماي على السرير حتى امسح طبقة سميكة من الغبار

    اصنف نفسي دوماً .. متشائلاً

    اهلا بك في المدونة

  8. انثى محطمة says

    الايام لا تنس ولا الهموم تحياتي مدونه رائعه

  9. ayham jazzan says

    ولو متأخرة كل عام وإنت بخير
    والعمر كلو يارب
    بس بصراحة أنا بخاف جدا من مسألة العمر والسنوات وبرتعب لما بيقرب عيد ميلاي

  10. Shbbk | شبك

    مشوار حياة…

    في البدء كانت الصرخة ظلام دامس من حولي يلغي الحياة من كل شيء .. اشيح بطرف عيني ليدخل النور .. ينعش قلبي ويفتح الستارة عنه .. لأدرك للمرة الأولى………

Comments are closed.

%d