مجنون في مملكة العقلاء

تعرفون تلك الحكاية التي كتب عنها الأديب توفيق الحكيم مسرحيته ( نهر الجنون ) والتي تقول بأنه كان هناك مملكة تعيش حياة هادئة بفضل إدارة ملكها الحكيمة وأن هناك بئراً في وسط المملكة يروي جميع البيوت ويشرب منها الناس وذات يوم لغرور الساحرة ورغبتها بتعكير صفو الحياة ذهبت ليلاً و وضعت السم في ماء البئر ثم في اليوم التالي شرب جميع الناس من مائه و أصابهم الجنون إلا الملك لم يشرب من ماء البئر وهنا نزل الناس إلى الساحات والشوارع يدعون بأن الملك قد جن وفقد عقله وبات يتصرف بطريقة غير لائقة ومعتادة بين الناس حتى زوجة الملك أصابها الجنون واصبحت تضجر من تصرفات الملك غير اللائقة وتقول بأنه قد جن

في نهاية الأمر لم يمكن إصلاح الأمر فشرب الملك من ماء البئر وأصبح مجنوناً عندها اطمئن الناس و قالوا بأن الملك عاد إلى رشده وأصبح طبيعياً عاقلاً يجدر به حكم البلاد

كذلك تعلمون قصة الضفدع … يقال بأنه كان هناك مجموعة ضفادع تتمشى و إذ بحفرة عميقة جداً يقع فيها أحد الضفادع ويطلب المساعدة من أصدقائه إلا إنهم يرفضون ذلك خوفاً من أن لا يقعوا معه في الحفرة أو ينجو بنفسه ويتركهم يغرقون في الوحل ، تركوه ومضوا في طريقهم لا ينظرون له ولا يفكرون مجرد التفكير بمساعدته وكانت حجتهم أن الحفرة عميقة جداً وأنه من المستحيل أن يعود وعلى هذا الحال استمرت حياتهم وبعد شهور طويلة وفي أحد الأيام الهادئة كان الضفادع يصطادون في النهر وفجأة وجدوا ضفدعاً غريباً يتقدم نحوهم ونظروا إليه فإذا هو صديقهم الضفدع المفروض أنه قد مات من الجوع لأنه وقع في حفرة لم يعد ممكناً مساعدته واستغربوا كثيراً فأخبرهم بما حدث معه وذلك بأنه لم يستسلم ويرضخ للأمر الواقع و بدأ يحاول بالقفز ولم يفلح لمحاولات كثيرة بأن ينجو ومع تكرار المحاولات وبعض الاستراحة والتخطيط نجى و أخيراً من تلك الحفرة ثم ذهب ليعيش في مكان آخر …

من هذه القصص نستخلص عبر كثيرة ومهمة يمكن تطبيقها على زمننا هذا فالملك الذي أعتبره جميع الناس في مملكته وحتى زوجته أعتبرته مجنوناً لأنه يتصرف بما يخالف الطبيعة او الجميع ولكن في حقيقة الأمر انه عاقل وعندما شرب من ماء البئر وأصبح يتصرف مثلهم قالوا عنه بأنه قد عاد عقله له وأصبح جديراً بالحكم وفي الحقيقة أنه الآن أصبح مجنوناً … عندما نتصرف بشكل غير المرغوب به من حولنا أو بطريقة تناقض فطرتهم وأسلوبهم يعتبروننا مجانين ويجب قتلنا حتى لا ننشر الوباء بين الجميع ويصبحوا مثلنا  في حين إذا تصرفنا تماماً مثلهم أطلقوا علينا صفة العقل الراجح بينما الحقيقة ليست كذلك انما فقط نتصرف كما يعجبهم

وذاك الضفدع الذي استسلم رفاقه وتركوه ينازع الموت وحده في الحفرة وأعتبروها عميقة جداً وفضلوا مصالحهم الخاصة بالنجاة على مساعدة صديقهم المسكين مع أن قوة الجماعة تغلب الفرد ولو تعاونوا مع بعض لأستطاعوا إنقاذ الضفدع وعاد للحياة معهم منذ البداية ، لكنهم تركوه وذهبوا فما كان منه إلا المحاولة والمحاولة حتى نجح و أخيراً

كم من أمثال أولئك المستسلمين تراهم حولننا ويخضعون لصعوبات الواقع فيتخلون عن الأفكار الخلاقة والإيجابية التي قد تتحول إلى واقع تعود بالنفع عليهم فيهولون المصاعب عليهم و لا يكتفون بذلك فقط إنما يمتد تأثيرهم إلى غيرهم ويشعرونه بالفشل الذريع من جراء عدم الأصابة من المحاولة الأولى … فلو كان الضفدع قابلاً للتفشيل لكان الموت قد سيطر على عقله و جعل ينتظره حتى يحين عليه بعد يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير .. لكنه طرد تلك الأفكار من رأسه و حصر تفكيره في النجاة ولا شيء سوى النجاة وفعلاً نجى

لا تعتقد أبداً أن تقوم بعمل ولا تجد من معوقات تعترض طريقك و إلا فإن عملك لن يكون ذا معنى وقيمة و انظر إلى سير العظماء على مر التاريخ كم من صعوبة اعترضت طريقهم حتى وصلو إلى أهدافهم  وفي النهاية حققوها وسهلوا حياتنا بشكل أو بآخر والآن دورنا لنذلل تلك المصاعب لنبني حياة الأجيال القادمة وهكذا تعمر الحياة ..

Comments are closed.

%d